نستطيع أن نفهم لماذا كان العرب يعتقدون أن القرين يترك الجسد مع إسالة الدم فى حالات الوفاة نتيجة للعنف بينما يخرج من الجسم عن طريق الأنف عند الوفاة الطبيعية، ومن هنا كان التعبير مات حتف أنفه.
وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن العرب قديمًا يؤمنون بالبعث ولا بالحياة الآخرة كما أكد ذلك القرآن الكريم وإن كانوا يعتقدون فى خلود الموتى، وتشير كلمتا هام وصدى إلى أرواح الموتى. إلا أن العرب، على عكس باقى الشعوب السامية الأخرى، لم يستسيغوا فكرة وجود عالم خاص بالموتى، عالم الأشباح والظلام. وبالإضافة إلى كذلك، كانوا لا يقبلون أن يهان موتاهم، وكانوا يعتقدون أن الموتى الذين لم يدفنوا والدماء التى لم ينتقم لها تظل أرواحهم تهيم فى الصحارى صَدْيَا (عطشى)، وكاكن ترك الموتى لمثل هذا المصير يعتبر أكبر عار يمكن أن يصيب القبيلة، وبالانتقام فى حالة القتل والمراعاة التامة لمراسم الجنازة وبصفة خاصة الدفن، كان العرب يحفظون موتاهم من مثل هذا المصير ومجتمعهم من ذلك العار. وكان هدفهم الأساسى هو تأكيد صدق تكافل القبيلة ودوامه من خلال معاملتهم لموتاهم.
ويبدو أن العرب كانوا، فى بعض مراحل تاريخهم يعبدون الموتى (عبادة الأجداد)، ولكن من الواضح أن هذه العبادة اختفت تماما فى الفترة السابقة للإسلام مباشرة تحت التأثير المشترك لاستقرار القبائل وظهور الوثنية ولم يتبق منها إلا الطقوس التى تؤدى للميت بعد الوفاة مباشرة (غسل الجسد والحداد والدفن)، أما الطقوس الأخرى مثل تقديم القرابين وذبح الذبائح فقد خصوا بها الآلهة.
ولقد كان لهذا التقديس للموتى الذى يمد واجب التكافل القبلى إلى ما بعد الموت دور فى اهتمام العرب بطهارة النسب مما أدى إلى إرساء قواعد متينة للنظام الاجتماعى عندهم، وأدى ذلك بدوره إلى بقاء المثل الأخلاقية عبر الأجيال كما جعل العربى لا يخاف الموت ويقدم المحافظة على شرفة وشرف جماعته على المحافظة على