للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حياته. ويبدو ذلك واضحًا فى المراثى الجاهلية.

قدم الإسلام للعرب مفهومًا مختلفًا تمامًا للموت، وهذا الاختلاف نتيجة لتعريف جديد للروح والحياة. وكما ذكر القرآن فإن الإنسان يتحرك بشيئين متميزين، أحدهما مفكر وهو النفس والثانى واهب الحياة وهو الروح. وتحمل النفس معنى "الذات" فى أكثر حالاتها إدراكًا دوامًا، أما الروح فهى أصل الحياة وهى هبة من اللَّه وهو الذى يعطيها الحياة والقوة.

يؤكد الإسلام أن الميلاد والوفاة قدر إلهى، والأبوان لا يهبان الحياة. كما أن الأحداث ليست هى إلا السبب الظاهرى للموت، فكل ذلك أسباب تتحقق بوساطتها إرادة اللَّه.

أحدث هذا التعريف الجديد للحياة ثورة فى المفاهيم الغيبية والأخلاقية عند العرب، فالحياة لم تعد ذاتية، والمقابلة بين الكائنات الحية وغير الحية فقدت كل مقوماتها وحل محلها مفهوم جديد أصبح فيه اللَّه عز وجل هو الخالق ومصدر الحياة وكل شئ عداه مجرد مظهر لقوته ووجوده.

ومن ناحية أخرى، فإن تأكيد أن الحياة هبة من اللَّه وليست من الجماعة، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. . .} (الأنعام ٩٨). وإضفاء الإسلام أهمية جديدة على حياة الفرد ومنظور جديد لأفعاله، جعل حياة الفرد مقدسة، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. . .} (الإسراء ٣٣)، وكان هذا مفهومًا جديدًا عند العرب، فمن الآن فصاعدًا لا يقتل إلا من يرفض الاعتراف بسلطان اللَّه أو ينتهك حرمات اللَّه انتهاكًا خطيرًا، وهكذا، باستبدال وحدة الدين بوحدة الدم، دفع الإسلام العرب إلى تحرير أنفسهم من هيمنة العشيرة والإحساس بوجودهم كأفراد أحرار ومسئولين. وبالرغم من أن المؤمنين إخوة، إلا أن كلا منهم مسئول عن نفسه أمام قضاة الدنيا وأمام اللَّه فى اليوم الآخر.

تبين أصداء المناقشات التى أدت إلى ظهور هذه المفاهيم والمكانة التى تحتلها