النساء. وأيضًا الآيات المكية التى كانت تحث المؤمنين على الصبر على أذى الكفار، مع الآيات المدنية التى تأمر برد العدوان، كدليل على أن تغير الظروف يقتضى تغير القاعدة. والترتيب الزمنى هو ما يبين حكمة التغيير، حيث إن القرآن الكريم يجب ألا ينطوى على تعارض بنص الآية ٨٢ من النساء {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
والعنصر الأساسى فى المفهوم العام للنسخ هو التعديل والاستبدال ولكن أضيف لذلك بالنسبة للقرآن فقط معنى المحو، وذلك تأويلا للآيات ٦ - ٧ من سورة الأعلى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} والرعد ٣٩ {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. . .} والإسراء ٨٦ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ. . .} والحج ٥٢ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ. . .}، والبقرة ١٠٦ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. والآيتان الأخيرتان تذكران النسخ صراحة. ومن تلك الآيات نستخلص أن نسيان الوحى من الرسول جائز وقوعه، واستحالة وقوع ذلك منه مرده أنه محكوم بقدرة اللَّه الذى له أن يضع كتابه فى صورته النهائية التى يراها له. ووجه الخلاف يقع فى المواضع التى كان فيها النسخ، وتأثيرها فى تشكيل الصورة النهائية لنظرية النسخ. ومما يذكر فى هذا القبيل ما قيل عن محو آيات نزلت بخصوص شهداء بئر مؤتة، وبشأن ابن آدم، وأن سورتى التوبة والأحزاب كانتا فى نفس طول سورة البقرة، حتى "رفع" اللَّه هذه الآيات وغيرها، ليكون المصحف فى النهاية على الصورة التى نراها عليه الآن، بعد أن تم جمع متفرقاته بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-].
ويعطينا التفسير بالمثل الدوافع والمصطلحات فى موضوع النسخ، أو التعديل التشريعى، فبمقارنة الآيتين ١٠١ من النحل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ. . .} بالآية ١٠٦ من سورة البقرة