للناس أن هذا كله قد وضع فى يده السلطان على بلاد العرب كلها.
وكان علىّ فى نزاعه مع معاوية يمثل حقوق الدولة ضد ما يطالب به معاوية والأمويون من الثأر لمقتل عثمان. ولكن الموقف الذى وجد علىّ نفسه فيه، إثر هوادته مع قتلة عثمان، هو الموقف الذى استغله معاوية بمواهبه السياسية العالية استغلالا تجلى فيه الدهاء، وسرعان ما قسم خصوم بنى أمية قسمين جديدين: فهناك الخصومة الدينية التى لا تقبل المصالحة، والتى بلغت أوجها فى مذاهب الخوارج والمتطرفين، وهناك أيضاً الشيعة الذين كانوا يبررون دعوتهم بقولهم إن الخلافة يجب أن تكون فى بيت النبى- صلى الله عليه وسلم -. وكان هذا الانقسام من حسن طالع الأمويين، فمثلوا دور المعتدلِين الذين أرادوا أن يحافظوا على القانون والنظام أمام حروب العصابات التى كانت تبيد العراق، وجعلوا البلاد قادرة على أن تجنى ثمرات الفتوح.
ولكن، متى رشح الناس معاوية لمنصب الخلافة بصفة جدية فعلية؟
لا تزال هذه النقطة غامضة، وآراء المؤرخين فيها مختلفة، فمنهم من يقول أنه رشح للخلافة منذ بدأ النزاع بينه وبين على، أى فى عام ٣٧ هـ، ومنهم من يجعل ذلك بعد وفاة علىّ عام ٤٠ هـ، وأيًّا ما كان الأمر فإن هذا الترشيح أثار مشكلة غاية فى الدقة والحرج: ذلك أن السلطة العليا على المؤمنين قد أسندت إلى رجل لم يكن من بين أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - السابقين. والاختلاف فيما يقرره المؤرخون فى هذا الأمر هو فى ذاته شاهد على الاضطراب الذى كان سائدًا بلا شك حينما أفضى سياق الحوادث فجأة إلى حل يخالف العرف المتبع فى تنصيب الخليفة. والحق إن سخط الفقهاء الذين لايأبهون لما تقضيه حاجات التطور التاريخى له ما يبرره من حيث النظرية الشرعية. فإن خلافة معاوية فاتحة عهد. جديد من كل وجه فى تاريخ الإسلام الدستورى: فلم يعد الخليفة هو المنفِّذ لسنة النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى شاهدها من أول أمرها وعمل على استمرارها، بل صار لمنصبه شأن أكبر من ذلك، إذ أصبح الشخصية البارزة فى العالم العربى،