وكبير سادة القبائل من حيث القوة الحربية. وأصبح من حيث نفوذ أسرته ومن حيث مكانته الشخصية ملكاً على الحقيقة وإن لم يكن الملك لقبه الرسمى، أو هو حاكم على نظام الطغاة كما فهمه اليونان. وهذا هو الموقف الغامض الذى ظل قرناً من الزمان، أعنى طوال العصر الأموى، وهو الذى مهد السبيل للدعاية الشيعية التى قدر لها أن تنتهى بفوز المبدأ الشرعى وبسقوط "الدولة" العربية.
ومن العسير علينا أن نحكم على مقدار شعور معاوية بصعوبة الموقف. وإذا اقتصرنا على بعض مظاهر سياسته، وهى فى العادة سياسة يتجلى فيها الحذق وبعد النظر، فإننا نميل إلى أن نستخلص من ذلك أنه لم يقدر كل ما يمكن أن يكون للعامل الدينى من شأن فى النزاع السياسى. على أننا لا ننكر أنه حاول أن يصالح أبناء خصمه على، فأفلح مع الحسن ولكنه كان أقل توفيقا مع الحسين. وكان معاوية فى الجملة شديد التقدير والاحترام لأسرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] جميعاً: علويين وعباسيين، وللأنصار الذين كانوا يفخرون بأنهم "أنصار النبى"[- صلى الله عليه وسلم -]
على أن معاوية لم يذهب إلى حد الإغضاء عن فرض يمين الولاء على من كان يرتاب فى أمرهم (لعنة أبى تراب)؛ وهذا عمل ممقوت يشبه أن يكون مقدمة لمحنة العباسيين، وقد أحفظ قلوب الناس على بنى أمية فأسروا لهم البغضاء، وكان ضرره عليهم أكبر من نفعه لهم.
ثم إن معاوية أخطأ بأن أطلق يد زياد بن أبيه فى العراق يتبع سياسة قمع لا تعرف الرحمة، وهى سياسة تخالف السياسة التى جرى عليها معاوية، والتى يستطيع أن يجرى عليها بنفسه فى العراق بما كان يعرف من أسرار اللين الذى يجد سبيله إلى القلوب.
ومما هو جدير بالملاحظة أن معاوية لم يذهب بنفسه إلى العراق طوال مدة حكمه البالغ عشرين سنة، ولم يوثق بينه وبين أهلها علاقات شخصية.
وكان معاوية إلى جانب هذا مقيدًا فى الشام بمشكلات خطيرة جلبها عليه تنظيم الدولة، وأول هذه المشكلات تنظيم علاقة الحاكم بأسرته وبالقبائل.