ولم يقصِّر معاوية -جرياً على عادة العرب، أو خضوعاً لشعور إنسانى عام - فى أن يرى أن قرابته أفادوا كثيراً من الحظ الذى أصابه. ولكنه كان يحذر من الوقوع فى الخطأ الذى وقع فيه عثمان، فلم يصبح أسيراً لقبيلته. ومما هو جدير بالملاحظة أن أهم الولايات أسندت إلى ولاة من غير بنى أمية. ولا عبرة بزياد بن أبيه الذى كان حاكم العراق المستبد، فإن قرابته لمعاوية قرابة وهمية خالصة. وهو إذا كان قد ولى أخاه عتبة على مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فإنه عندما مات عتبة، ولم يكد يمضى عليه فى هذا المنصب عام كامل، لم يعين أموياً آخر مكانه.
وقد أظهر معاوية كل ما عنده من مواهب سياسية عالية فى أمر علاقته برؤساء القبائل الذين كانوا يستنفزهم أتفه الأمور للخروج والعصيان. وهؤلاء الرؤساء -على ما فيهم من قلة الاستعداد للخضوع إلى سلطان رجل من قريش، أو لما لأمير المؤمنين من مكانة دينية- جعلوا منصب الخليفة شبيها بمنصب الحاكم الأوروبى فى عهد الإقطاع.
وكانت غاية معاوية من صبره وطول أناته فى العمل على أن ينال تأييد رؤساء القبائل وانضمامهم إلى صفه -وما كان فى مقدوره أن يقضى بالقوة على نفوذهم- هى أن يقوى سلطانه من جهة، وأن يبلغ من جهة أخرى الغاية الكبرى التى أراد أن يحققها قبل وفاته، وهى مبايعة رجال القبائل لابنه يزيد. وقد أفلح فى أخذ يمين البيعة منهم قبل أن يوافيه الأجل، وبهذا نجح فى جعل الخلافة وراثية. وهذا هو الذى يجب أن نعتبره أكبر نجاح محسوس لسياسة معاوية، وإليه يرجع الفضل فى بقاء خلافة الأمويين قرناً رغم الثورة التى وقعت بعد موت يزيد.
ولكن الموقف ظل مزعزعاً حتى بعد أن توطد المبدأ الذى يجعل الخلافة فى بيت بنى أمية بصفة جدية قاطعة! على أن هذا المبدأ إنما اكتسب بفضل ما كان لمعاوية من مكانة شخصية. وآية ذلك أنه لم يكد يموت حتى هبّ الحسين ليرفع لواءه باعتباره صاحب الحق الشرعى فى الخلافة؛ على حين ظهر عبد الله بن الزبير بمظهر المدافع عن حق جزيرة