العرب التى أحاق بها الإهمال، وعن ذكرى الصحابة الأولين. وكان انتهاء أمر الحسين بمأساة قتله فى كربلاء، تلك المأساة التى تركت ذكرى للاستشهاد فى سبيل الله استغلها خصوم الأمويين فيما بعد. وقضى مقتل الحسين على معارضة العلويين قضاء وقتيا، وكان مركز الأمويين خليقا بأن يزداد قوة لو أن الأجل امتد بيزيد، أو لو أنه ترك ابنا كبيراً يخلفه عن جدارة واستحقاق بدلا من معاوية الثانى الذى كان لا يزال طفلا. على أنه إذا كان يزيد على غير ما ينسبه له أهل الورع من المؤرخين من فساد فى الخلق وضعف فى الدين، فلا شك أنه لم يكن له ما كان لأبيه من صفات ممتازة، وإن لم تكن تعوزه الهمة ولا الذكاء لمواصلة أعمال أبيه.
على أن تكوّن الإمبراطورية المترامية الأطراف لم يكن وليد خطة مرسومة أيام الفتوح الأولى. وعدم وجود منهج معين لإدارة هذه الممتلكات الواسعة المتباينة أحدث سلسلة من المشكلات لم يكن لمعاوية بد من معالجتها بما عرف عنه من نزوع إلى تناول الأمور على طريقة الواقعيين. وهناك قصة تقول إن عمر وضع دستوراً للحكم، ولكن هذه القصة إذا لم تكن من وحى الخيال، فإن الخطط التى وضعها عمر لا تمثل فى الواقع إلا بذرة ضغيرة للتنظيم المالى والمدنى اعتمدت عليها الإمبراطورية الإسلامية فيما بعد.
ومن أسف أننا نجد تاريخ حياة معاوية مملوءاً بالتفاصيل القصصية، ولكنه قاصر كل القصور فيما يتعلق ببيان الطريقة التى سار عليها فى إدارة الدولة. ولا نستطيع أن نعرف معاوية من حيث هو حاكم لدولة إلا من ملاحظات قليلة غير كافية.
وتراخت حركة الفتوح الإسلامية، فنشأ عن ذلك تلك المقاومة القوية التى قام بها الروم (البوزنطيون) لصد تقدم العرب بعد أن هددوهم فى آسية الصغرى وفى أوربا. على أن حملات المسلمين المتوالية التى وجهوها إلى آسية الصغرى والتى أظهرت سيوفهم أمام أبواب القسطنطينية، والإغارات البحرية التى قاموا بها فى بحر