للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرخبيل وعلى شواطئ صقلية: كل هذه سجلت لهم انتصارات محلية لم تصل إلى نتيجة حاسمة. وكانت هجمات الأساطيل البوزنطية على شواطئ الشام يشد أزرها ثورات سكان الجبال فى لبنان قد جعلت معاوية يرى من الحكمة أن يوقع هدنة بشروط لا ترضى ما يشعر به العربى من الأنفة وعزة النفس (عام ٥٧ هـ).

وانتصر العرب فى الشرق أكثر مما انتصروا فى الغرب: فكانت جيوش المسلمين جادة فى اختراق سهول فارس الشرقية، وصارت مصر فى إفريقية قاعدة حربية تسيَّر منها الحملات إلى الغرب والجنوب. ولكنهم لم يملكوا فى هذه الجهات إلا قليلا من الأراضى امتلاكاً تاماً

كانت هذه الحملات -كما كان الحال من قبل- يوكل القيام بها إلى عمَّال الولايات، وكانت تتم بجهود القبائل التى استوطنت هذه الولايات بعد الفتوح الأولى، وهم المهاجرون. أما جيش الخليفة نفسه فكان يدخره للحروب التى يشنها على البوزنطيين ولحماية نفسه ممن قد يخرجون عليه فى بلاده. ويرجع الفضل فى انتصار بنى أمية فى الحرب الأهلية التى نشبت عام ٦٤ هـ إلى قيام هذه القوى موالية لهم أشد الولاء.

على أن معالجة المنية ليزيد مكنت ابن الزبير من الامتداد إلى بلاد العراق وتدخلت فى ذلك عداوة الشيعة التى كانت وحدها سبباً فى فتنة العراق فيما بعد. ثم حدث ما يحدث دائماً فى أوقات الأزمات، فإن جميع المشكلات التى اختفت وانكمشت أيام حكومة معاوية من غير أن ينتهى أمرها تماماً ظهرت من جديد فى صورة خطيرة ملحة: فهناك القبائل التى لا تخضع للسلطان بما فيها من نزعات العصبية والعناية بالمصلحة الخاصة، وهناك أمر العلاقة بين الشعوب المحكومة وبين المتغلبين عليها، يضاف إلى هذا تضارب المصالح والميول بين الشام والعراق ووسط جزيرة العرب.

وقد استطاع معاوية بدهائه أن يكبح جماح هذه القوى المتنازعة كلها، ولكنها استعادت كل قوتها بل هى قد زادت