إلى إقامة دور للعبادة، ذلك أنهم عجزوا عن مجاراة أسلافهم حكام الأندلس الموحدة في السلطان أو في الثراء، بيد إنهم حاولوا محاكاتهم، على الأقل من ناحية المظهر، في قصورهم الفاخرة. وشيدوا، بدل الجدران المبنية بالحجر الصلد، جدرانًا بنيت بالطين والآجر، وحلت محل أوجه الحجر والرخام المزخرف بطريقة التوريق الزخرفة في الجص، واستبدل بالأعمدة الرخامية أعمدة خشبية كما يرى في قصر القصبة بمالقة. وهكذا يخفى تعدد الألوان فقر الداخل تحت نقاب زائل من البذخ والأبهة. وكان النقص في الفخامة والمتانة والافتقار إلى العظمة المعمارية لا يعوضهما المظهر الجميل اللطيف الذي اتسمت به مباني القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) فحسب، بل يعوضهما أيضًا إدخال الماء الجاري في القاعات والأفنية، وغرس النباتات في الأفنية، ولا شك أن ذلك كان بتأثير الشرق، عن طريق إفريقية فيما يحتمل.
والفن الزخرفي الذي كان ينشد إخفاء الفقر في بناء هذه القصور كان هو الخلف المباشر لفن عصر الخلافة. وإن كان قد صحبه تطور نحو الفن الباروكي، وهو فن إسباني في جوهره، وذلك بتحويل العناصر المعمارية لقرطبة ومدينة الزهراء إلى عناصر أخرى زخرفية بحتة تقوم على أشكال متشابكة ومعقدة وزخارف غزيرة.
والقصر الذي بناه المقتدر بن هود (٤٤١ - ٤٧٤ هـ = ١٠٤٩ - ١٠٨١ م) بجوار سرقسطة مباشرة يمثل خير تمثيل الفن الذي عرف عن عصر ملوك الطوائف.
وكان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) -أي في الفترة التي بسلط فيها المرابطون والموحدون سيادتهم على الأندلس -من أخصب العصور في الفن الإسلامي المغربي، وهو في الوقت نفسه من العصور التي حدث فيها أعظم تمثل للأشكال التي خرجت من شرق البحر المتوسط.
وظل المرابطون -وهم أولئك البدو البربر من إفريقية الذين خلا وفاضهم