الصلات التي كانت قائمة في عهد الفاطميين مع المدن التجارية الإيطالية- ومنها بيزة التي ذهبت إلى أقصى حد في تشجيع الفرنجة على مهاجمة مصر - بل كان هناك دافع آخر هو ولا شك الحاجة إلى الحصول على المواد الخام اللازمة لتسليح قواته برا بحرا. وأقبل أهالى بيزة وجنوة والبندقية زرافات إلى الإسكندرية، ووجد فيها البنادقة عوضا عن تعذر التجارة مع القسطنطينية يفوق ما وجدوه في عكا، وهذا موقف وضعتهم فيه الحكومة البوزنطية من عام ١١٧١ إلى عام ١١٨٤ (Orient Latin et com-: CL. Cahen imerce du Levant في Bull. de la fac. des Lettres de Strasbourg, جـ ٢٩ - ٨, سنة ١٩٥١، ص ٣٢٢)، وكان في وسع صلاح الدين أن يباهى في الرسائل التي بعث بها للخليفة بأن الفرنجة أنفسهم كانوا يسلمونه أسلحة أعدت من قبل لكي تستخدم ضد فرنجة آخرين (أبو شامة، جـ ١، ص ٢٤٣).
وأفاد صلاح الدين أيضًا من التطورات السياسية في بوزنظة وقبرص، وشرع في التفاوض مع أميريهما للوقوف معه ضد الفرنجة دون أن يعرف ذلك أي بلد منهما. وشعر صلاح الدين بأن التهديد الأوروبى أصبح وشيكا - وكان قد أصبح من قبل حليفا بوساطة قراقوش لبنى غانية المرابطين أصحاب جزائر البليار على النورمنديين والموحدين- وهنالك حاول أن يتقرب من الموحدين ليكون حلفا، بحريا في جوهره، على الصليبيين: على أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح (انظر - Gaudefroy- De mombynes، في Melanges. Rene Rasset II؛ سعد زغلول عبد الحميد في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية جـ ٦ - ٧، سنة ١٩٥٢ - ١٩٥٣، ص ٢٤ - ١٠٠)، ولهذه الأسباب نفسها تفاوض مع السلاجقة في آسية الصغرى.
ومن الطبيعي أن تكون سياسة الحرب باهظة التكاليف وهذا أثر على الإمكانات المالية في عهده حتى أنه كان على شفا الإفلاس دائما، ومع ذلك فقد حرم في كل مكان الضرائب التي تخالف الشرع في نظر الفقه تمشيا مع مثله الدينى الأعلى الذي قامت عليه دعوته، وكانت رغبته في إزالة كل أثر للنظام الفاطمى تدفعه إلى أن يستبدل