لا بد من أن يهدأ فترة يستريح فيها ويلتقط أنفاسه، ويتعذر علينا التكهن بما كان صلاح الدين يعتزم أن يفعله لأنه مات بعد بضعة شهور من إبرام اتفاقية السلام سنة ٥٨٩ هـ (١١٩٣ م).
٢ - عهد الملك العادل والملك الكامل المتوفى ٦٣٥ هـ (١٢٣٨ م): والظاهر أنه كان جوهره عهد ركود وتنظيم بعد الاضطرابات التي حدثت إثر وفاة صلاح الدين.
ولقد كانت السنوات الثمانى التي أعقبت اختفاء مؤسس الدولة من المسرح محكا لاختبار مفهوم وحدة الأسرة كما تصورها بالنسبة لملكه وخلافته. وكان صلاح الدين قد منح أواسط الشام وجنوبيها لابنه الأفضل، ومصر لابنه الثاني العزيز، وحلب لابنه الثالث الظاهر غازى، أما حماة فقد انتقلت لابن أخيه تقى الدين عمر، وأما حمص فكانت من نصيب ابن عمه المجاهد وهو حفيد شيركوه، وأخيرا فإن الجزيرة انتقلت إلى حوزة شقيقه العادل أبي بكر- وتم توزيع هذه الأراضي إما إقطاعا في حياته أو نصيبا معلوما من ميراثه، يضاف إلى دلك اليمن وقد حكمها اثنان من إخوته على التوالى. وكان للعادل أبي بكر شأن كبير إبان حكم صلاح الدين ديبلوماسيا ورجل إدارة، وكان وقتذاك أكبر أفراد الأسرة سنا وأبرز الأحياء منهم على الإطلاق، وكان أبناء صلاح الدين يلجأون إليه في عدة مناسبات ويلتمسون رضاه والانتصار لهم أو الفصل بينهم إذ كانوا ضعافا لا يعرفون إلا اللهو والشجار، وسواء أكان العادل رجلًا طموحا أم لم يكن فقد أخذ يتضح أن الحرص على بقاء الملك في البيت الأيوبى قد فرض عليه أن يهمين على مصائره فنصب نفسه عام ٥٦٧ هـ (١٢٠٠ م) سلطانا في القاهرة ووزع إمارتى دمشق والجزيرة بين أبنائه ولم يسمح بقيام إمارات إلا في حلب وحمص وحماة التي اضطرت إلى إعلان ولائها له حتى تضمن لنفسها البقاء وذلك أثر المعارك الأخيرة التي دارت بينه وبين الأمراء السابقين عام ١٢٠١ م. ومن الطبيعي أن تعقب وفاة العادل مشكلات مماثلة، وأدى وجود حملة صليبية على دمياط وقتذاك (٦١٥ هـ = ١٢١٧ م) إلى التفاف