الأسرة فترة ما حول ابنه الأكبر الكامل، وقد تولى الكامل مثل أبيه حكم مصر وكان بدوره شخصية مهيبة. وما أن زال خطر الفرنجة حتى تفككت عرى الاتفاق بينه وبين أخيه المعظم أمير دمشق المتوفى عام ٦٢٥ هـ (١٢٢٨ م) ثم مع الناصر داود ابن المعظم وخلفه. وشد من أزر الكامل ولاء شقيقه الآخر الأشرف فمنحه دمشق عوضا عن ديار مضر وأبعد داود إلى الكرك. ثم أصبح الكامل رأس الأسرة بلا منازع بضع سنوات؛ ومهما يكن من أمر فإن الود بينه وبين الأشرف أخذ يفتر إلى أن مات الأشرف ٦٣٥ هـ (١٢٣٧ م) فانتزع الكامل دمشق من شقيقه الآخر الصالح إسماعيل وكان الأشرف قد عهد إليه، بيد أن الكامل نفسه ما لبث أن توفي في مستهل العام التالي، وكان بحق آخر رجل من بني أيوب يستطيع توحيد كلمة البيت الأيوبى تحت إمرته. وجدير بنا ألا ننزلق في الخطأ بسبب هذه الخلافات، فقد كانت أغلبية الأسرة حتى ذلك الحين على استعداد للتضامن في مواجهة الأعداء وإيثار هذا على مصالحهم الشخصية. وعادوا إلى التضامن بوسيلة أو بأخرى؛ وظل هذا التضامن قائما زهاء نصف قرن وتغير الموقف بعد وفاة الكامل.
ومهما يكن من أمر فإن المنافسة بين الأيوبيين وجيرانهم من الأمراء كان لها دخل فيما حدث بينهم من انشقاق، فقد حدثت عام ٦٠٤ هـ (١٢٠٧ م) فتن في أخلاط أتاحت للأوحد بن العادل، وكان وقتذاك عاملا على ديار بكر، فرصة مكنته من ضم ميراث شاه أرمن إلى المملكة الأيوبية (وهناك خلف الأشرف الأوحد بعد وفاته). وضمت بلاد أخرى في ديار بكر وديار ربيعة، وأخيرا ضمت عام ٦٣١ هـ (١٢٣٣ م) آمد وحصن كيفا ولم يبق من بيت أرتق القديم إلا فرع واحد هو فرع ماردين، وهكذا قدر للأيوبيين أن يخرجوا من هذه الحروب أعظم جاها وسلطانا. وعلى آية حال فإن سياسة أرض الجزيرة وإيران منذ حوالي سنة ١٢٢٥ م كان يهيمن عليها اقتراب جلال الدين منكوبرتى على رأس قومه من أهالى خوارزم فارين من الغزو المغولى، وأعمل جلال الدين السيف والنار في إيران ومشارفها، وانضم إليه المعظم