توجه من الفرنجة في الشرق، بل أعدت وخطط لها سلفا في أوروبا. ومن الطبيعي أن يتخذ الأيوبيون كل ما في وسعهم من أسباب الحيطة لإحباطها، ولم يكن هناك ما يدعو للتهاون العسكري. وأدى سقوط بوزنطة وتدهور قوة الموحدين إلى حرمان الأيوبيين من الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وكان صلاح الدين قد حاول أن يضمهم لصفه، وبعد أن كف الأيوبيون عن الاحتفاظ بأسطول كبير يصلح للهجوم اعتمدوا في حماية مصر على الجيش البرى والتحصينات، كما لجأوا أحيانا إلى نسف المنشآت الساحلية (تنيس) وبث العيون والأرصاد. ومهما يكن من أمر فإن الخلفاء من الأيوبيين، حتى العادل والكامل، حاولوا بقدر- الإمكان أن يعدلوا عن احتمالات الحرب الباهظة التكاليف، إلى الدبلوماسية.
وانتهج العادل هذه السياسة فأعاد إلى الفرنجة عام ١٢٠٤ ما كان يحتله من المواقع الساحلية التي تعد امتدادا لبلاد الفرنجة ما عدا الشقة المحصورة في اللاذقية والتابعة لإمارة حلب. وفي الحرب الصليبية الخامسة عرض خلفه الكامل على الفرنجة إعادة بيت المقدس مقابل الجلاء عن دمياط- بينما كان يدعو أشقاءه في آسية أن يخفوا لنجدته - فرفض الفرنجة، وحرص الكامل على ألا يخوض غمار أي معركة حقيقية. ولقد تكشف هذا الموقف على نحو دبر تدبيرا للتأثير في الرأى العام، وكان ذلك بخاصة في الحرب الصليبية التي شنها فردريك الثاني. واشتدت رغبة الكامل في مسالمة الفرنجة عندما شعر بأنه مهدد من المعظم حليف الخوارزميين. ولما كان مدركا للظرف التي تجعل الإمبراطور ينزع بفطرته إلى المفاوضات، فقد تنازل له آخر الأمر عن بيت المقدس على شريطة ألا تقام فيها تحصينات وأن يحافظ فيها على حرية العبادة. وتوطدت بين العاهلين صداقة حقيقية ظلت قائمة حتى بين خلفائهما.
وواجهت إمارة حلب مشكلات محلية تختلف عن ذلك اختلافا طفيفا، فقد راع هؤلاء الأمراء أنهم- من دون أحفاد صلاح الدين المباشرين- يواجهون أسرة العادل، فسعوا إلى التحالف مع