للاعتبارات السابقة، وإذا تركنا اليمن جانبا، فإنه يمكن بوجه عام التمييز بين الأقاليم التي أبقت على الأنظمة التي وضعها آل زنكى ولم تدخل عليها تعديلا كبيرا من جهة، وبين مصر التي أخذت بأنظمة جديدة أو كانت جديدة على الأقل بالنسبة إليها من جهة أخرى، وكما يحدث عادة تحولت أجهزة الحكم المركزية هناك وارتبطت بماضى مصر أكثر من ارتباطها بأسس الإدارة المحلية وقواعدها، وبذلت محالة لإصلاح الأمور بمجرد انتهاء المتاعب التي تعرض لها الحكم في البداية إبان حياة صلاح الدين نفسه، ويتبين هذا من وصف الأنظمة الفاطمية الذي كتبه ابن الطوير وتناول فيه النظام الجديد (مقتطفات منه وردت في كتابى المقريزى وابن الفرات) والرسالة التي كتبها القاضي أبو الحسن عن الخراج (مقتطفات في كتاب المقريزى) وكتاب قوانين الدواوين الشهير لابن المماتى وهي المؤلفات التي وصلت إلينا، ويمكن إضافة مراجع أخرى مثل كتاب ابن شيت الكرشى عن الدواوين، وهو يكاد يكون مصنفا أدبيا. وظهرت في نهاية عهد الأيوبيين نظائر لهذه الأوصاف المنهجية وهي رسائل عثمان بن إبراهيم النابلسي المتعددة التي تيسر لنا الإطلاع عليها أو التي لم نعرفها إلا عن طريق ما نقل منها من شواهد، وهي مثال حي على ما يمتاز به النابلسي من خبرة محسوسة.
وكان الأمير نفسه هو الذي يدير دفة الحكومة المركزية بطبيعة الحال وكان لمعظم أمراء الإقطاع وزراء أي موظفون يعملون، باسم الأمير، على توحيد الأوامر الصادرة منه إلى الحكومة بأسرها، ولكن هذا النظام لم يكن مألوفا في مصر. ومهما قيل عما كان يتمتع به القاضي الفاضل من احترام وتقدير في نظر صلاح الدين فإنه لم يحمل قط، على الرغم من كل ما تردد، لقب وزير، ولم يقم بوظائفه، أولًا: لأن هذا السلطان نفسه كان يدير دفة الحكم بنفسه. وثانيا: لأن السلطان كان أصلًا يشغل منصب وزير قبل أن يستولى على زمام السلطة في مصر طبقا لما جرى عليه العمل أخيرا في عهد الفاطميين بمنح الوزير سلطات كاملة.
واحتفظ شقيقه العادل زمنا طويلا بابن شكر المخوف وزيرا له، وكان قد