جوانحه على تشكك عميق (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ ٣، ص ٢٧٧, س ١ وما بعده؛ الديوان، جـ ٢، ص ٢٤٦) يمتزج بنظرة جبرية أدت به إلى التشاؤم والاعتقاد بمذهب اللذة (المصدر السابق ص ٢٣٢, ورواية عن ابن قتيبة: عيون الأخبار، جـ ١، ص ٤٠ في آخرها). واضطر بشار، مثل أقرانه، إلى أن يرجع إلى التقية وأن يقول بقول أهل السنة وأن يبدى غيرة الأتقياء مما يتعارض تعارضا تامًّا مع آرائه الحقيقية التي اقتنع بها (ومن هذا القبيل أبياته التي نظمها في هجاء ابن العوجاء الزنديق، الذي قتل في الكوفة: الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ ٣، ص ١٤٧, وأخص من هذا كله البيت الذي ورد في الديوان، جـ ٢، ص ٣٦، س ٣ فهو يدل على التزام صارم بالإِسلام السُّنى).
ولم يفلح حذره ذلك في إخفاء فضائح سلوكه ونوادره وزندقته. وأدت مؤامرة دبرت في البصرة إلى ضياع مكانته في نظر الخليفة المهدي (انظر أخبار نوادره في الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ ٣، ص ٢٤٣ وما بعدها)، إذ تجاوزت ذلك إلى أمور أعظم شأنًا، أي إلى اضطهاد كل من شملهم لقب زنديق في عهد هذا الخليفة (انظر المصدر السابق، ص ٢٤٦ في آخرها وما بعدها، وبخاصة: Appunti Gabrieli, ص ١٥٨). وقبض على بشار وجلد، وألقى به في مستنقع في البطيحة (الطبري، طبعة القاهرة، حـ ٦، ص ٤٠١؛ الأغانى، الطبعة الثالثة، حـ ٣، ص ٢٤٧ - ٢٤٨)، حدث هذا عام ١٦٧ هـ أو ١٦٨ هـ (٧٨٤ - ٧٨٥ م) وكان الشاعر قد تجاوز السبعين من عمره وقتذاك (لا التسعين كما قيل بسبب خطأ في الرسم، انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، حـ ٣، ص ٢٤٧ و ٢٤٩ ويورد الرقمين، ولا يظهر منهما إلا الثاني في كتاب الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، حـ ٧، ص ١١٨؛ ابن خلكان، حـ ١، ص ٨٨).
واشتهر بشار في زمانه بأنه خطيب، وأنه يجيد كتابة الرسائل والنثر