ويقول أكسينفون إن الإكميئيين كانوا يملكون حدائق فسيحة في إقليم بغداد عند ستّاكه Sittake . وهذا القول ينطبق أيضًا على ملوك الفرس المتأخرين. وأنشئت عمائر في حديقتين من هذه الحدائق الساسانية فكونتا حيين هما دار عمارة بن حمزة وبستان القَسّ. وابتنى الساسانيون بالقرب من مصب نهر عيسى قصرًا أطلق عليه فيما بعد اسم "قصر عيسى". وأقيم في عهدهم قنطرة وصلت هذه البقعة بالضفة الشرقية لدجلة. وفي هذا المكان أقيم فيما بعد جسر من القوارب وصل بين قصر الخلفاء وقصر عيسى. وكان هناك جسر آخر مشيد في الجاهلية فوق قناة الصراة في الجنوب الغربي من الكوفة، ويعرف هذا الجسر بالقنطرة العتيقة. ولا يوجد من الأماكن التي في شرقي دجلة ما يرجع عهده إلى ما قبل العباسيين سوى سوق الثلاثاء عدى نهر المُعَلَّى ومحدة المُخَرم، وهي أول محلة سكنت في عهد عمر بن الخطاب. وليست هناك صلة بين سوق الثلاثاء وثالثا المذكورة في بطلميوس (جـ ٥، ص ١٩)، لأن ثلثى لا ثالثا هو الموضع الذي يتفق وموقع بغداد في مصور بطلميوس. ويؤكد كتاب العرب أيضًا أن المكان الذي أصبح فيما بعد مقبرة الخيزرانية كان قبل عهد المنصور مقبرة للمجوس. ولا شك في أن معظم أديرة النصارى التي ازدهرت في بغداد إبان العهد الساسانى قد شيد في الجاهلية، ولدينا من الشواهد الأصلية ما يفيد أن قصر الخلفاء المعروف بالخلد على الضفة الغربية لدجلة شيد مكان دير قديم، وأن مكانا من الأمكنة التي عند ملتقى الصراة بدجلة قد أنشئ لمثل هذا الغرض، كما نستدل من الاسم الذي أطلق عليه في عصور متأخرة وهو "الدير العتيق".
ولم يكن لمحلة من هذه المحلات القديمة الكائنة في الموقع الذي قامت عليه بغداد فيما بعد أي شأن من الناحيتين السياسية والتجارية. ولذلك فإننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن المدينة التي ابتناها المنصور ثانى خلفاء العباسيين كانت مؤسسة جديدة بمعنى الكلمة.