للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خطاب يوجهه إليهم: "أعيرونى دموعكم! " (حلية الأولياء، حـ ٥، ص ١١٢). وكانت محاضر (جمع محضر) تعقد يبكى فيها الحاضرون بكاء شديدًا ويتناولون بعدها وجبة [حلية الأولياء، حـ ٢، ص ٣٤٧). وقد يلتقى مسلمان ورعان ويشرعان في حديث دينى ويذرفان الدموع وهما يتدبرانه. ويقال إن محمد بن سوقة وضرار بن مرة كانا يلتقيان بانتظام كل يوم جمعة لهذا الغرض (حلية الأولياء، حـ ٥، ص ٤؛ حـ ٥، ص ٩١)، وإن بَديلًا وشُمَيتًا وكهمسا اجتمعوا في بيت بعضهم في إحدى المناسبات فقالوا: "تعالوا اليوم حتى نبكى على الماء البارد (الذي سنفقده يوم القيامة)! " (حلية الأولياء حـ ٦، ص ٢١٣). ويمكن أن نجد في كتاب حلية الأولياء (حـ ٤، ص ٢٥٥ - ٢٦٠) ولولة طويلة لبكاء (وردت فيها الكلمة المميزة "ويحيى")، أما الولولة الأقصر كثيرًا فنجدها في كتاب عيون الأخبار (حـ ٢، ص ٢٨٤) , وهناك نقاش دينى دار بين ثلاثة من البكائين ورد في كتاب حلية الأولياء (حـ ١٠، ص ١٦٣).

وتروى قصص خارقة عن مقدار الدموع التي استطاع بكّاء أن يذرفها: فيقال إن واحدًا من البكائين ظل يبكى في بعض الأوقات ثلاثة أيام وليال سويًا، وبكى آخرون حتى اخضلت لحاهم أو ابتلت وسائدهم، وبلل آخرون بدموعهم أكياسا كاملة من الرمال. وكانت دموع أحد البكائين تسمع وهي تتناثر على قدميه؛ وقيل إن آخر جلس بعد البكاء في ردغة من دموعه فظن الناس أنه توضأ فيها. وتصببت الدموع من عينى أحدهم على الأرض فنبت العشب؛ وبكى آخر عمدًا في سراب. وأدى تدفق الدموع من عيون البكائين إلى حفر أخاديد عميقة في خدودهم، وآخرون تساقطت أهدابهم وجفونهم، وغيرهم تشوهت ضلوعهم، وأصبحت عيونهم ضعيفة البصر أو أصيبت بالعمى. ويتردد ذكر حالات حدث فيها إغماء بل وفاة.

وكان يعتقد أن القدرة على البكاء فضيلة ودليل على الغيرة الدينية الحقة