ورحمة الله. وقيل "ليس في وسع كل سائل أن يبكى"(عبد الله الأنصاري الهروى: الرسائل، طهران سنة ١٣١٩، ص ٥١). ويروى أن أبا بكر قال عندما رأى بعض أهل اليمن يبكون لما قرأ عليهم القرآن: هكذا كنا حتى قست القلوب (الجاحظ: البيان، حـ ٣، ص ١٥١). وضرب عامر بن عبد قيس بيده على عينه في يأس وصاح:"جامدة شاخصة لا تندى! "(البخلاء، ص ٥). ويرى الدارانى أن العجز عن البكاء دليل على ترك الله للعبد (السلمي: طبقات الصوفية، القاهرة سنة ١٩٥٣، ص ٨١). ورأى يوسف بن حسين الرازي عندما أصبح بعد لا يبكى عند تلاوته القرآن دليلا على أن أهل الري ربما كانوا على حق في رميه بأنه "زنديق"(حلية الأولياء، جـ ١٠، ص ٢٤٠). ومن جهة أخرى فإن ثابت البُنانى يرى أن نعمة البكاء آية ينعم بها الله على عباده (حلية الأولياء، جـ ٢، ص ٣٢٣). ويقال إن محمد - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه أن يرزقه "عينين هاطلتين تشفيان القلب بذرف الدموع" (حلية الأولياء، حـ ٢، ص ١٩٦ وما بعدها؛ حـ ٢، ص. Wensinck ٢٨٠: Some Semitic Rites، ص ٨٩). ومما يتصل بهذا حديث التباكى:"فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا" وهو حديث يحظى بقبول عام.
وقد أثيرت بين الزهاد أربعة تحفظات في الأقل، على سنة البكاء، أولاها أن البكاء ليس فعلا إرادياء وثانيها أنه يمكن أن يعد مزيلا للأسى والحزن وشارحًا للصدر وهو بهذه الصفة ينكر، وفي معرض هذا يقال إن سفيان بن عُيَينة قد نمى في نفسه خلة حبس الدموع في عينيه برفع رأسه، وهذا في قوله أبقى للحزن في الجوف (حلية الأولياء، حـ ٩، ص ٣٢٧). وثالثها أن البكاء شيء ظاهرى ومن ثم يمكن أن يموه على الناس، ويذكرون مثالا لهذا دموع إخوة يوسف الكاذبة (سورة يوسف الآية ١٦). وأشير أيضًا إلى الأثر المزعوم الذي يقول إن المؤمن يبكى من قلبه والمنافق من ظاهر وجهه. ولما كان البكاء مظهرًا خارجيًا فإن رسائل الصوفية لم تفرد له فصلًا خاصًّا، بل تناولته تناولا عابرًا في