السادس أن يقصد في معاملة جماعة الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم أن لم تظهر لهم ميسرة، أو إنه لا يثبت اسم الفقير في دفتر للحساب أصلا وإنما يقول له خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة.
وينبغى للتاجر ألا يشغله سعيه للربح عن الشفقة على دينه ونفسه، وإنما يتم ذلك بمراعاة سبعة أمور: الأول حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة، الثاني: أن يقصد القيام في تجارته بفرض من فروض الكفايات، فإن التجارات بعض من انتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل؛ الثالث أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، أي عن أن يؤم المساجد ويؤدى الصلاة، الرابع أن يذكر الله إذا ما دخل السوق وأن يشتغل بالتسبيح وهو فيه؛ الخامس: أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج وبان يركب البحر في التجارة فهما مكروهان، السادس: أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقى مواقع الشبهات ومظان الريب، وإذا حملت إليه سلعة سأل عن أصلها، ويجب عليه أن ينظر إلى من يعامله فكل منسوب إلى ظلم أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله؛ السابع: ينبغي أن يراقب جميع مجارى معاملته مع كل واحد من معامليه فإنه مراقب ومحاسب، فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة.
ويذهب الغزالى إلى أن السوق ساحة جهاد التاجر يجاهد فيها نفسه في معاملته لإخوانه. والتجارة في نظره ذريعة إلى المعاد ومدرجة إلى الآخرة، ولذلك فهو ينبذ مثل الزهاد الأعلى الذي يقضى بأن يفر الإنسان الفانى من العالم فراره من الكفاح.
وهناك آراء مماثلة لهذا في كتب الأخلاق والأداب لكنها لا تبلغ دائما ما بلغته آراء الغزالى من سمو القيمة الأخلاقية، ومثال ذلك أن تاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية المتوفى عام ٧٧١ هـ (١٣٧٠ م) قد تحدث عن التاجر في فقرات عديدة من كتابه "معيد النعم" ولا شك أنه تناول في هذه الفقرات الأحوال التي تعتبر شواهد على عصره، وعلى هذا فإنه