تفوته خير الأوقات للشراء والبيع، ويجب على الخزان إذا استقر في نفسه أن يشترى بضاعة بنقد كثير أن يختصر ويقسم هذا الشراء فيجعله في أربع دفعات، وبين كل شرية إلى الأخرى خمسة عشر يوما، وبذلك يتجنب الخسارة التي تنجم من تغير فجائى في السعر أو من أي حادث آخر لم يكن في الحسبان. ومما يجب عليه تأمله أحوال السلطان الذي هو في كنفه وهل هو عادل قوى أم عادل ضعيف أو جائر، والصنف الثاني هو الركاض أي التاجر المتجول، ويجب عليه أن ينظر فيما يبتاعه فيحتاط فيه، إذ ربما تأخر مسيره إلى البلد الذي يقصده أو يظل لإحدى العوائق كخوف الطريق، فيقاسى بيعه في البلد الذي اشترى فيه ويتحمل خسائر كبيرة، ثم يستحب له أن يستصحب معه رقعة بأسعار جميع البضائع في البلد الذي يريد العودة إليه مما يجلب من تلك الجهة، وأن يعرف المكوس وإلا فقد ضيع ربحه قبل أن يشترى من بلد غريب عن بلده. ويجب عليه أيضًا إذا دخل بلدة لم يعرفها أن يكون قد تقصى عن الوكيل المأمون والموضع الحريز. والصنف الثالث من التجار هو المجهز أي التاجر المصدر، ولا يفوتنا في هذا المقام أن نتكلم عن الوكالات.
ويجب على المجهز أن ينصب له في الموضع الذي يجهز إليه وكيلا مأمونًا يقبض البضائع التي يصدرها إليه، ثم لا ينفذ بضاعة إلا مع الأصحاب الثقات الذين يرعونها، ويتولى هذا القابض بيعها وشراء الأعواض عنها وله حصة في الربح.
ولم يكتف الدمشقي بما بذله للتاجر زيادة على ذلك من نصائح كثيرة وما أوصاه به من التحرز من المبرطخين والممخرقين المموهين والمنمنمين، بل إنه يناقش مسائل الاقتصاد النظرية كتحديد أسعار السوق ومتوسط السعر، وهو أمر يتطلب من التاجر أن يكون على علم تام به، ولم يبحث بعد إلى أي حد تتصل كل هذه الأمور بنظرات القدماء في الاقتصاد.
وقد أدلى ابن خلدون برأيه في عبارات مماثلة لهذه وذلك في الفصول التي خص بها التجارة من مقدمته (القاهرة سنة ١٣١٧ هـ، ص ٤٤١؛ وقد