ترجمت هذه الفصول في Notices et Ex- traits des Manuscrits de la Bibliotheque du Roi، جـ ٢٠، سنة ١٨٦٥، ص ٣٤٨ وما بعدها)، وهو يصنف ملاحظاته ويضعها تحت عنوانى الخزّان والرَكّاض ويغفل المجهز، ويصف التجارة بأنها محاولة الكسب بتنمية المال لشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء، ويتوسل التاجر في ذلك إما بأن يختزن السلعة ويتحين لها تحول الأسواق من الرخص إلى الغلاء، وإما بأن ينقلها إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من البلد الذي اشتراها فيه. ورأى ابن خلدون في التجارة مهم على الجملة، وآية ذلك أن التجارة تقتضي من التاجر أن يكون كيِّسا يأخذ عملاءه بالمماحكة والدهاء، وبكل عوارض هذه الحرفة التي تؤثر في شعوره بالشرف والعدل وتحط من أخلاقه. والتاجر الصغير هو الذي يخضع سريعا لهذه المؤثرات، لأنه مضطر إلى معاملة زبائنه طول النهار. والأمر على عكس هذا بالنسبة للتاجر الذي أثرى بفعل بعض الظروف المواتية فأكسبه ثراؤه جاها ومقاما، وهو بذلك يبعد عن تلك الخلة بالبعد عن الأفعال المقتضية لها ويترك ممارسة المعاملة لوكلائه. وما عليه إلا أن يشرف على أحوالهم ويوجههم توجيها عاما.
والسؤال الذي أثرناه في مستهل هذه المادة عن نظر الإسلام إلى التجارة هو أحد وجوه هذه المسألة التي تتناول احتمالات تطور البلاد الإسلامية تطورا اقتصاديًا، وقد درست هذه المسألة عدة مرات في السنوات القريبة. وكان من المنكور إلى ما قبيل الحرب العظمى أنه في الإمكان حدوث هذا التطور، وما زال هذا الإنكار شائعا في أوساط المبعوثين، وبارتولد W. Barthold أول من بين أن هذا الرأى لا يصمد للأسانيد التاريخية، وذلك في مقاله الذي قدم به مجلة Mir Islama، وقد اهتدى بيكر C. H. Becket ويونك E. Junge ثم من بعدهم بول Alfred Buhl بما جاء في دراسات ماكس وبر Max Weber الاجتماعية والدينية وعالجوا هذه المسألة فانتهوا إلى أن الإسلام لم يقف قط موقفا معاديًا من التطور الاقتصادى، ولكن المشارقة يذهبون في التفكير في المسائل الاقتصادية مذهبا