بعمل في ذلك، مهما يكن مؤقتًا وقاصرًا فإنه هو كل ما يمكن اليوم، وإلى أن نملك قاموسًا اشتقاقيًا تتدرج فيه دلالات الألفاظ، وتتمايز فيه المعاني اللغوية على ترتيبها، عن المعاني الاصطلاحية على ظهورها .. فلا معدى للمفسر من النظر في المادة اللغوية للفظ الَّذي يريد تفسيره، لينحى فيها المعاني اللغوية عن غيرها ثم ينظر في تدرج المعاني اللغوية للمادة نظرة ترتبها على الظن الغالب، فتقدم الأسبق الأقدم منها على السابق، حتَّى يطمئن - ما استطاع - إلى شيء في ذلك ينتهى منه إلى ترجيح معنى لغوى للكلمة، كان هو المعروف حين سمعتها العرب في آى الكتاب ... والمفسر في هذا التمييز والنظر مسلم - ما أمكن - بمحدث الدراسة في أنساب اللغات وصلة ما بينها، ليطمئن كذلك إلى أن الكلمة عربية أصيلة، أو هي دخيلة؛ وإن كانت فما بيئتها؟ وما معناها الأول؟ ... ثم هو محاذر كذلك من اندفاع معاجمنا في رد الكلمات إلى أصل عربي يشابهها في اللفظ، مع التكلف في الاشتقاق والربط ..
وإذا ما فرغ من البحث في معنى اللفظة اللغوي، انتقل بعده إلى معناها الاستعمالى في القرآن يتتبع ورودها فيه كله، لينظر في ذلك، فيخرج منه برأى عن استعمالها: هل كانت له وحدة اطردت في عصور القرآن المختلفة ومناسباته المتغيرة؛ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما معانيها المتعددة التي استعملها فيها القرآن؟ وبذا يهتدى بمعناها أو معانيها اللغوية إلى معناها أو معانيها الاستعمالية في القرآن؛ وهو بما ينتهى إليه من كل أولئك يفسرها مطمئنًا في موضعها من الآية التي جاءت فيها.
وقد حاول الراغب الأصفهانى منذ قرابة ألف عام، أن يعطينا مفردات القرآن في قاموس خاص بها. وعانى فيها شبيها بما وصفنا أو بشئ من أصل فكرته، ولكنه لم يتم التعقب اللغوي، ولم يستوف التتبع القرآنى، وفاته مع ذلك كله فرق ما بين عصره وعصرنا في دراسة اللغات وصلاتها؛ إلا أنَّه في كل حال نواة تخجل من بعده، وبخاصة أهل هذا العصر الطموح، فيؤلمهم ألا يملكوا إلا هذا