للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النبي لم يحرم في هذه الحالة. وفي بعض أحاديث الطائفة الثانية ميل ظاهر إلى التناظر. ومن هنا اشتد الحديث (١) الَّذي أورده البخاري (كتاب الأضاحي، باب ١٥) في إنكار هذا الإحرام، وهو حديث ظاهر الهوى) (٢). وجلى أن ورود هذه الشعيرة في نص الحديث يثبت وجودها.

ثم إن هناك حديثًا توسط بين الأمرين فترك الخيار في الإحرام لمن يبعث بهديه (النسائي: كتاب الحج، باب ٧٠) ولما اكتمل الفقه ضاق بهذا الإحرام وأهمله (اكتفى الشافعي بإنكاره في كتاب الأم، ج ٢، ص ١٨٣، ولم يقم بأمر تفنيده) ولا شك في أن المسلمين نبذوه من عهد قريب. وإذا خلينا عبد الله بن عباس - وهو إمام القائلين بهذا الإحرام بيان لم يدعم ذلك سند تاريخي - وعمر وعليًا وقد ذكرا في هذا المقام خطأ، وعبد الله بن عمر الَّذي استشهد به في تأييد الرأى المناهض، فإن القول بالإحرام في هذه الحال لم ينسب إلا لقيس بن سعد بن عبادة وإبراهيم النخعي وعطاء ومحمد ابن سيرين: أما الإشارات العارضة إلى غيرهم فلا يعول عليها كثيرًا (٣)


(١) نص الحديث عن البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا إسماعيل عن الشعبي عن مسروق أنَّه أتى عائشة فقال لها يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدى إلى الكعبة ويجلس بالمصر فيوصى أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتَّى يحل الناس. قال سمعت تصفيقها من وراء الحجاب فقالت لقد كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله حتَّى يرجع الناس.
اللجنة
(٢) لا ندرى لماذا رضي كاتب المقال أن يحكم بوضع الحديث؛ وما دليله على ذلك، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وسترى أنَّه هو الَّذي أخذ به كل العلماه أو أكثرهم.
أحمد محمد شاكر
(٣) خلاصة القول في هذا أن الرجل إذا قلد هديه وأرسله إلى مكة وهو باق في بلده، هل يصير بذلك محرمًا، فيمتنع عما يمتنع منه المحرم من اللباس والطيب والنساء وغير ذلك أو لا؟ فذهب ابن عباس إلى أنَّه يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتَّى ينحر هدية. قال النووي: "وكذا مذهب ابن عمران صح عنه في هذه المسألة شيء". وذهب كافة العلماء إلى إنه لا يصير محرمًا بذلك، وإنما يصير محرمًا بنية الإحرام إذا نواه. وهذا هو الصحيح الَّذي تدل عليه الأحاديث. ويؤيده حديث النسائي الَّذي أشار إليه كاتب المادة: "عن جابر: أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعث بالهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك". وانظر المجموع للنووى شرح المهذب (٨: ٣٦٠ - ٣٦١) ونيل الأوطار للشوكانى (٥: ١٩٣ - ١٩٥) وتفسير القرطبي (٦: ٣٩ - ٤٢).
أحمد محمد شاكر