المقالات، وكان حاملو لواء هذا الدفاع طائفة من نبغة المعتزلة، فألفوا لهذه الغاية الجليلة الرسائل والكتب التي تشهد لهم بطول الباع وحسن البلاء، على ما سنرى.
٣ - في هذه الفترة- فترة تطاحن المذاهب والنحل والآراء وعناية نبغة المتكلمين وبخاصة المعتزلة بالرد على أرباب المذاهب الضالة- نجد أبا الحسن الأشعرى ينبغ ويكون صاحب المذهب المعروف باسمه والذي ينتظم أكبر عدد من المسلمين حتى هذه الأيام، كما يكون وجوده فاتحة طور جديد في تاريخ علم التوحيد. ظهر الأشعرى وعاش في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وأحس بحدة الخلاف بين طوائف المتكلمين في مسائل كثيرة وبخاصة في مسائل صفات الله كلامه ورؤيته، ورأى كل فريق من هؤلاء المتناضلين في هذه المشاكل قد تطرف في رأيه وغلا غلوًا كبيرًا وراح ينصره بالحق وبالباطل، فعمل على أن يكون في رأيه وسطًا وعلى أن يبنى له ولأنصاره مذهبًا يجمع عليه كلمة الأمة. وقد حقق الله له ما تشوف إليه وعمل له، فكان مذهبه هو الذي عرف بعد بمذهب أهل الحق أو مذهب أهل السنة والجماعة.
٤ - انتشر مذهب الأشعرى وكثر أنصاره من المتكلمين الذين أخذوا أخذه في التأليف في علم الكلام على غراره، يردون على خصومهم ومنهم المعتزلة الذين كانوا اضطروا للتسلح بالفلسفة للرد على خصومهم الملاحدة وأرباب الملل والنحل الأخرى، فكان لا بد إذن للأشاعرة من أن يخلطوا كلامهم بغير قليل من الفلسفة، ومن أجل هذا وذاك نرى كثيرًا، من قضايا الفلسفة ومسائلها تحتل كتب علم التوحيد. وإذا فليس علم الكلام وليد الفلسفة كما يظن كثيرون خطأ. إنه ولد في الإسلام قبل أن يعرف المسلمون الفلسفة، وإن كانت أثرت فيه- لما تمثلها المسلمون- أثرًا كبيرًا، إذ قوته وشدت أزره، وأمدته بالكثير من الأسلحة والمسائل والأدلة والبراهين.