للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان من هؤلاء الأنصار الذين عملوا على نصرة مذهب الأشعرى ونشره في الشرق والغرب القاضي أبو بكر الباقلانى المتوفى سنة ٤٠٣ هـ الذي له قريب من خمسين ألف ورقة من تصانيفه في نصرة الدين والرد على أهل الزيغ والبدع، لا تكاد تندرس إلى يوم القيامة (١) إلا أن هذا العالم الجليل الذي تصدى للإمامة في مذهب الأشعرى وهذبه، ووضع لمسائل العلم وقضاياه المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وأنه لا يقوم العرض بالعرض وأنه لا يبقى زمانين، وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم- إلا أن هذا العالم على ألمعيته وجلالته جعل هذه القواعد تبعًا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها، وأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول" (٢). وهكذا ضيق القاضي ومن معه على الناس ولم يوغلوا برفق، وليت شعرى ماذا يرون في إيمانهم أنفسهم قبل ذلك وفي إيمان الصحابة وعامة المسلمين الذين يجهلون هذا من قبل ومن بعد (٣).

٥ - وكان من حسن جد المسلمين أن نبغ بعد الباقلانى إمام الحرمين أبو المعالى الجويني وتلميذه الأشهر حجة الإسلام أبو حامد الغزالى، فصار كل منهما إمامًا للمذهب في زمنه ولم يعتقدوا ومن تبعهم -كما رأى الباقلانى من قبل- بطلان المدلول إذا بطل الدليل، وبهذا انفك الحجر على الناس في الاستدلال، وعرفت هذه الطريقة بطريقة المتأخرين التي لاتزال تسود راسة علم الكلام حتى هذه الأيام.

وهذه الطريقة تمتاز أيضًا بإفساح المجال فيها للرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من عقائد الدين، وهذا هو السبب في خلط مذاهب الفلسفة بعلم التوحيد. ثم غلا المتأخرون في حشو كتبهم بمسائل الفلسفة والرد عليها - كما نرى فيما يدرس منها بالأزهر في العصر الحاضر- حتى التبس عليهم


(١) الإسفرايينى، في التبصير في الدين، نشر عزت العطار الحسينى بمصر سنة ١٩٤٠ ص ١١٩.
(٢) ابن خلدون ٣٦٩.
(٣) الشيخ حسين والى في كتابه التوحيد، جـ ١ ص ٥٤ الطبعة الأولى عام ١٩٠٩ م.