وعلوم الدين فكان فيها- قبل أن يرتفع صيت القيروان- علماء مبرزون ساهموا بدروسهم في نشر الإسلام بين ربوع البلاد بأسرها: منهم المحدثان علي بن زياد وعباس بن الوليد الفارسى. وقد صنف أبوالعرب التميميّ في مستهل العهد الفاطمي رسالة نافعة في طبقات هؤلاء العلماء التونسيين الأول (كتاب طبقات علماء تونس، نشره وترجمه محمد بن شنب مع "طبقات علماء إفريقية") وقد أضيفت إلى المسجد الجامع بنايات دعت الضرورة إليها كما زين بوسائل شتى. وأدخل على هذا المسجد تعديلات هامة لاشك أنها من عمل أحمد الأغلبى البناء العظيم. وعلى القبة المواجهة للمحراب نقش باسم الخليفة العباسى تاريخه ٢٥٠ هـ الموافق م. ومهما يكن من شيء فقدكان من اليسير جلب الحجر والمرمر إلى تونس لتشييد المبانى دينية أو غير دينية. ذلك أن قرطاجنة كانت قريبة فما أيسر أن تنهب خرائبها وتهيئ الكثير من مواد البناء والعمد وتيجانها.
أما من الناحية السياسية فيظهر أن تونس كانت مجمع المغارضة ومركز مناهضة السلطان في القيروان. وكان الجند من بنى تميم الذين تضمهم أسوارها مبعث القلاقل والفتن، واشتركت تونس في جميع الفتن التي أخمدها عمال الأمويين والعباسيين ثم أمراء الأغالبة، واشتركت في الثورة الكبيرة التي حمل لواءها منصور الطنْبُذى، ففتحها زيادة الله الأول عنوة وخرب أسوارها عام ٢١٨ هـ الموافق ٨٣٣ م، وأنزل بها إبراهيم الثاني جام غضبه بعد فتنة من هذه الفتن، ورأى أن يضبط أمورها بنقل بلاطه وقصبة حكومته إليها عام ٢٨١ هـ الموافق ٨٩٤ م وشيد لهذا الغرض عددًا من المبانى منها "القصبة" ولكنه قفل راجعًا إلى رَقادَة بعد عامين اثنين، ولما حاول ابنه عبد الله الثاني أن يعود إلى الاستقرار في تونس قُتل عام ٢٩٠ هـ الموافق ٩٠٣ م في قصر بناه لنفسه وشيكًا، وقتل قاتلاه وعلق الأول على باب الجزيرة أو بعبارة أخرى (رأس. بونة) والثاني على باب القيروان. ولم تكن الأسباب قد تهيأت بعد لكى تصبح تونس قصبة إفريقية.