وتعمد الفاطميون وخلفاؤهم من صنهاجة- وكانت قصبتهم في القيروان أو في المهدية التي أنشئوها- إهمال مدينة تونس. ويظهر أن أهلها ظلوا متمسكين بأهداب السنة. ومما له دلالته الكبيرة أن أعظم أولياء تونس، ولايزال يمجده الناس إلى الآن، قد عاش في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، أي في الوقت الذي اقتتل فيه أولو الأمر من الشيعة والثوار من الخوارج أعنف قتال في سبيل الغلبة على إفريقية: هذا الولى هو سيدى محرز (محرز بن خلف) الذي سأل ابن أبي زيد (٣٢٧ هـ الموافق ٩٣٩ م) تأليف رسالته الشهيرة وتلقاها، وهي اللاصة المعتمدة للمذهب المالكي في شمالي إفريقية (انظر ابن ناجى: معالم الإيمان، جـ ٣، ص ١٣٨). وكان هو الذي أنزل السكينة في قلوب أهل المدينة بعد أن مرت بها تلك الفترة الوجيزة المشئومة التي احتل فيها أبو يزيد المدينة عام ٣٣٢ هـ الموافق ٩٤٤ م، وحثهم على إقامة سور مكين حولها وشجعهم على تنظيم أسباب الإتجار فيما بينهم. ولعل الفضل في بناء فندق "الحائرية" القديم راجع إليه، وهو قبالة زاويته تقريبًا وعلى مسافة قصيرة من باب كبير من أبواب المدينة، وربما صح هذا على "السويقة" التي سمى الباب باسمها فقيل "باب السويقة"، وثمة رواية متواترة تذهب إلى أن سيدى محز أنشأ أيضًا "حارة" اليهود وهي على مسافة من زاويته في اتجاه المسجد الجامع، وجلى أنه قصد بهذا العمل إلى أن يستبقى في ذلك الحى قومًا يحذقون التجارة خاصة، وهي من أسباب ازدهار المدينة.
وقد شهد ابن حوقل في القرن العاشر الميلادي بما كانت عليه مدينة تونس من ازدهار، فأطنب في وفرة غلاتها وحسن موقعها وثراء أهلها. وخص بالذكر فخارهاورى البساتين التي حولها بطواحين الماء. وزاد البكرى تفاصيل أخرى في القرن التالي فذكر الأسوار والخندق والأبواب الخمسة: وهي باب الجزيرة في الجنوب، وباب البحر الذي يفتح على الفرضة، وباب قرطاجنة في الشرق، وباب السقائين- وجلى أنه كباب السويقة في الشمال- وباب أرطه في الغرب؛ وكان مدخل