الاستغلال رجال المال. إلَّا أن مايؤخذ على الملدُ العثمانى بحق أنه لم يقم على فكرة سياسية أو إجتماعية جديدة، ولم يفتح لرعاياه العديدين المخللفين بابا لتنظيم علاقاتهم المختلفة على غير ما عرفوا من المبادئ، فضاعت عليهم بذلك الإفادة مما كان للعالم العثمانى من موقع فريد في نوعه، ومن ميزة اشتماله على أمم لها مالها من نصيب كبير في تقدم الإنسانية.
وقد أكسب العهد العثمانى تونس - كما أكسب مصر - عنصرًا حاكمًا جديدًا في بابه، لايقوم على عصبية قبلية أو دينية، ولايدعو لأية فكرة عامة من نوع كان، بل ليس له من هم إلَّا الاستيلاء على أزمة الحكم مستعينًا باعوان على شاكلته. والمتصفح لتاريخ الدايات والبايات والأغوات والأسطوات والرؤساء العثمانيين فيما بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجريين لا يمكنه إلَّا الإقرار بما ذهبنا إليه، حقيقة كان من هؤلاء الصالح والطالح، الخير والشرير، ولكنهم - جميعًا - ينطوون على نوع واحد من أنواع السلطان.
وثم اختلاف بين هذين العهدين المضطربين من تاريخ تونس ومصر. ففي الأولى - في تونس - كان بين العنصر الحاكم فيها وأوروبا حرب مستمرة، أما في الثانية - في مصر - فلم يحدث إلَّا ما كان بين الحكام والتجار الأوربيين من سوء العلاقة.
ومما ينبغي أن يعترف به لذلك العنصر العثمانى الحاكم ما توافرت فيه من صفات قوة القلب والرياسة والاضطلاع بمهام الأمور, وهي صفات ملكته رقاب الرعية الكادحة، وجعلت منه الأداة الأولى لتطور تونسى جديد.
وذلك أن الكتخدا حسين بن علي تقلد أمر تونس في سنة ١١١٧ هـ وتمكن من جعل البابية وراثية في بيته - البيت الحسينى - واستمرت فيه. وقد تقدمت تونس على مصر في هذا، فقد تولى محمد على باشوية مصر في ١٢٢٠ هـ وأسس بذلك البيت المحمدى العلوى. وقد نجح البيتان الحسينى والعلوى في تقويض النظام الذي أنبتهما، وحطما العصبيات المسلحة وغير المسلحة التي ترعرعت في ظل السيادة العثمانية،