للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمراء إدراكًا تامًّا ما في بقاء إرتباطهم بالدولة العثمانية من منافع، ففي هذا الارتباط شيء من القوة والاطمئنان يقيان بلادهم اكتساح الدول الغربية استقلالهم، كما أنهم شعروا بما يكنه الشعب من تعلق ببيت الخلافة الإسلامية واعتزاز ببقاء الدولة العثمانية دولة قوية مصونة الجانب، وبذلك نفهم لم وضع أمراء تونس مواردهم الحربية والمالية المتواضعة تحت تصرف السلطان في بعض حروبه، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه يخشون ما تكنه الدولة العثمانية نحو تونس وغيرها من الأقطار المتمتعة بقدر من الاستقلال الداخلى من نيات، ويحذرون عواقب الغلو في تأكيد التبعية العثمانية مما كان يحملهم من وقت لآخر على مجاراة بعض الدول الغربية عندما كانت تشجعهم على الظهور بمظهر الملوك الهستقلين باستقبالهم في بلادها استقبالات ملوكية، والدخول معهم في مشارطات ومعاقدات تمس جوانب هامة من سلطانهم. ولا يمكن لوم الأمراء على قبول ذلك، فإن سياسة الدولة العثمانية جرت في القرن التاسع عشر على وتيرة حملت الأمراء التونسيين على قبول أي تعضيد أوربى يحول دون تنفيذ الدولة ما تكنه من تقويض استقلال تونس. وما قامت به الدولة العثمانية من عزل الخديو إسماعيل لما فقد التأييد الأوربى، وما قامت به لإفساد الحركة العرابية شاهدان على ما جرت عليه في تونس، وقد وقعت الخسارة على الجميع - ما عدا الدول الأوربية.

ومن المشكلات أيضًا ما يتصل بالعلاقات بالأجانب وبالدول الأوربية. فقد فتح الأمراء الباب واسعًا للأجانب، واستعجلوا النهوض واليسر، فاستقدموا الفنيين الأوربيين يرسمون لهم الخطط ويعاونونهم على تنفيذها، ومكنوا للعقول الأوربية والأموال الأوربية من استخراج خيرات البر والبحر، ويسروا لكل طالب رزق من جزائر البحر المتوسط وسواحله أن يتخذ من تونس وطنًا ثانيًا يتوق لو أنه ألحقه بوطنه الأصلي.