للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قويت الجاليات الأجنبية، واصبح للامتيازات الأجنبية من المعاني غير ما كان لها، ومن وراء الجاليات القناصل، ومن وراء القناصل الجيوش والأساطيل، واضحت موارد الأهلين وموارد الحكومة نهبًا لكل طامع.

أما الأموال الأوربية فقد استخدمت فيما هو قائم على أسس اقتصادية سليمة، وفيما هو وهص، وفيما هو غير ذاهب إلَّا لاستكمال أدوات الترف والتقليد الكاذب. والدول الأوربية في مواقفها لحماية تلك الأموال وأصحابها لم تميز بين الحلال فتؤيده والحرام فتستنكره، ولم تتحر عن وجه الحق ووجه الباطل، بل الكل لديها مصلحة قومية تؤيدها بكل ما تستطيع من قوة. وليت الأمر كان عند ذلك الحد، فإن التنافس بين الدول كان عاملا قويًّا في تورط الإمارة التونسية في الكثير من المشروعات الفاسدة، فمثلا إذا نال ماليون من أمة ما امتيازًا بمد سكة حديدية فلا بد أن ينال ماليو أمة أخرى امتيازًا يماثله، وقد لا تكون له ضرورة، وهكذا. والمصرى لا يسعه إلَّا أن يذكر في هذا ماليى مصر سعيد وإسماعيل.

والخلاصة أن الأمراء وضعوا أنفسهم وبلادهم في شراك لم يستطيعوا منها خلاصًا، وكلما امتد بهم الزمن ضاقت عيون الشراك وازدادوا خبالا.

وقد وجد الأمراء في تنافس الدول الأوربية الكبرى أملا في تجنب ضياع استقلال بلادهم، والواقع أنه كان شرًّا عليهم إذ كان مدعاة لمحاولة إرضاء الكل - وفي هذا من تبديد الموارد والحقوق ما فيه، كما كان صارفًا لكل جهود الحكومة التونسية نحو استقراء طوالع الجو السياسي الأوربى علها تهتدى لطريق يقيها الزلل، كما كان مفسدًا لبطانة الأمير، يميل رجل منها لدولة أوربية ما فيصبح رجلها في تونس وينحاز آخر لدولة أخرى فيصبح عدوًا لمواطنه، وهكذا، وقناصل الدول منهم يؤيد مشايعه التونسى، كما يحاول أن يجتذب إلى صفة رجال الحكم التونسيين أو كل ذي حظوة لدى الأمير. وقد اتخذت هذه المحاولات ألوانًا شتى من الترغيب والترهيب، مما أفسد الضمائر والذمم.