لهذه الأسباب كلها لم تصب المحاولات الدولية لحل مسائل الدّيَن ونظيراتها من المسائل نصيبًا من النجاح، كما كان الحال في مصر، وكيف تنجح وقد تحولت اللجان الدولية لتسوية الديون ومراقبة المالية التونسية ميدانًا جديدًا اشتد فيه النزاع بين ممثلى الدول، بل إن من ممثلى الدول من عمل على فشل الفكرة ليثبت إثباتًا لا يدع محلا لشك أن الإدارة الوطنية قد عجزت عجزًا تاما عن إصلاح المختل من أحوالها، وأن علاج تلك الأحوال بخلق هيئات دولية قد أتى بعكس المقصود منه فأدى إلى تفاقم العلة، والحل الوحيد المجدى إذن هو أن تتولى الأمر كله دولة أوربية.
من تكون تلك الدولة؟ وكيف يمكن أن تتخلى لها الدول الأخرى؟ أذلك مستطاع دون عوض ما في مكان آخر غير تونس؟ واين ذلك المكان أو تلك الأمكنة؟
معنى هذا أنه كان لا بد لتحول الرقابة الأوربية في تونس إلى رقابة دولة واحدة من ظروف أوربية أدت إلى مواجهة مشكلات مستقبل العالم العثمانى كله، إلى وضع المسألة الشرقية - نوا يقولون إذ ذاك - على بساط البحث عندئذ، وعندئذ فقط - تتحتم مواجهة الحقائق، وتبرز القوة أداة للتنفيذ، فيخضع لها من ليس مستعدًا لمواجهتها بقوة تساويها
وقد خلقت الثورات في البلقان ضد الحكم العثمانى والحرب بين الروسيا والدولة العثمانية (١٨٧٧ - ١٨٧٨) هذا الموقف الذي وصفنا، وفي هذا الموقف ولدت حماية فرنسا لتونس، كما ولد أيضًا الاحتلال البريطانى لمصر. وقد بدأ بتلك الحماية الفرنسية فعل العامل الأخير في تشكيل تونس المعاصرة، ويجدر بنا - وقد نشرت الحكومات الأوربية بعد الحرب العالمية الماضية الكثير من وثائقها السرية السياسية - أن نعرض بشيء من التفصيل كيف نالت فرنسا ما كانت تصبو إليه من السيطرة على تونس؛ وما ترتب على ذلك من عواقب لتلك البلاد وأهلها.
كيف أدى التطور الذي شرحنا معالمه إلى وقوع تونس تحت السلطان الفرنسى وحده؟ لبيان هذه النهاية لا بد