اندمج الجاحظ في جماعات كانت تنعقد في المسجد (المسجديون) لتناقش طائفة واسعة من المسائل، وشهد بالمِرْبد أبحاثا تطرح في اللغة، وحضر دروس أعلم الناس في زمانه في فقه اللغة وعلومها والشعر، ونعنى بهؤلاء الأصمعى وأبا عبيدة وأبا زيد، وسرعان ما تمكن الجاحظ من اللغة العربية تمكنا، علاوة على إجادته للثقافة التقليدية المأثورة. وأتاح له ذكاؤه المبكر الدخول في أوساط المعتزلة ومنتديات البورجوازية حيث كانت تدور أحاديث سهلة في كثير من الأحيان، تؤججها أيضًا مشاكل كانت تجابه ضمير المسلم في ذلك العهد في ميدان الكلام، والتوفيق بين العقيدة والعقل، والسياسة، ومسالة الخلافة الشائكة التي كان يثيرها دائما أعداء العباسيين، والصراعات الناشبة بين الفرق الإسلامية ودعاوى غير العرب وكانت ملاحظته النافذة للعناصر المختلفة من السكان المخللطين تزيد من معرفته بالطبيعة الإنسانية، على حين أخذ يقرأ كتبًا من جميع الأنواع كانت قد بدأت تروج في البصرة، فأتاحت له هذه القراءة نظرة إلى العالم الخارجى. ومن المحقق تماما أن الموارد العقلية التي تيسرت له في موطنه كانت خليقة بأن تهيئ للجاحظ كل أسباب الثقافة العريضة، ولكن قصبة الدولة العراقية في أوج عزها كان لها أثر حاسم في المساعدة على تكوين عقله. ذلك أنها وسمت عقله بطابع عقلانى واقعى واضح كل الوضوح، حتى جازلنا أن نقول إن الجاحظ لايعد من أبرز ثمرات مسقط رأسه فحسب، بل هو أكمل مثال أخرجته البصرة أيضًا، ذلك أن المعرفة التي حمئلها من بعد في بغداد لم تغير أي تغيير ملحوظ في اتجاه عقله الذي كان قد تكون فعلًا في البصرة. والبصرة هي العرق الممتد دائما في جميع آثاره.
والراجح أن الجاحظ بدأ يكتب مبكرًا، إلا أن أول شاهد على نشاطه الأدبى يرجع على وجه التقريب إلى سنة ٢٠٠ هـ (٨١٥ - ٨١٦ م). وهو