الدولة كانت تتناول موضوع الخلافة، وكان المقصود بها بلاشك تبرير اعتلاء العباسيين عرش السلطة؛ لقد كانت هذه الكتابات تمهيدًا لسلسلة كاملة من الرسائل موجهة إلى المسؤولين إن لم يكونوا هم الذين أوحوا بها، وهي تتعلق بالموضوعات السارية. وبالرغم من أننا نجد بعض الصنعة في الرسائل التي تبدأ بعبارة "سألتنى عن كيت وكيت من المسائل ... وأنا أجيبك بان ... "فإنه يمكننا أن نذهب إلى أن المسألة في كثير من الأحيان كانت في الواقع قد أثيرت ثم سئل أن يجيب عنها كتابة. ذلك أن الجاحظ، وإن لم يتح له قط أن يكون على صلة حميمة بالخلفاء، فإنه كان على صلة مستمرة بأئمة الشخصيات السياسية، ثم إن الأمر يجنح بنا إلى العجب من أنه قد وصل حبله بمحمد بن عبد الملك الزيات، فلما سقط الزيات سنة ٢٣٣ هـ (٨٤٨ م) -وكان سقوطه نكبة أو يكاد على الاثنين- وصل الجاحظ حبله بقاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد المتوفى عام ٣٤٠ هـ (٨٥٤ م) ثم بابنه محمد المتوفى سنة ٢٣٩ هـ (٨٥٣ م) ثم وصل حبله أخيرًا بالفتح بن خاقان الذي توفى عام ٢٤٧ هـ (٨٦١ م).
ومع ذلك احتفظ الجاحظ باستقلاله إلى حد كبير، واستطاع أن يستغل مركزه الجديد في الاستزادة من رياضة عقله والرحلة (وخاصة إلى الشام، ولكن المسعودى في كتابه مروج الذهب، ج ١، ص ٢٠٦، قد انتقده لأنه حاول أن يكتب كتابًا في الجغرافيا دون أن يصيب حظا كافيا من الرحلة، ويكاد هذا الكتاب أن يكون قد فقد بتمامه). وقد وجد الجاحظ أيضًا في بغداد رصيدًا عامرًا من المعرفة متمثلا في النقول الكثيرة عن اليونانية التي تمت في خلافة المأمون، وبدراسته الفلاسفة القدماء- وخاصة أرسطو (انظر الحاجرى: تخريج نصوص أرسططالية من كتاب الحيوان، في مجلة كلية الآداب، الإسكندرية، سنة ١٩٥٣ وما بعدها) - انفسحت نظرته واستكمل مذهبه الكلامى الذي كان قد بدأ في التوسع فيه تحت إشراف أئمة المعتزلة