طاهر، والى الشام والجزيرة، بمشقة سنة ٢٠٩ هـ (٨٢١ م). وكذلك أخمدت بمشقة فتنة كردلِة إلى الشمال من الموصل في عهد المعتصم. وقامت فتن الخوارج مرة أخرى وفي الجزيرة، وخاصة بعد عهد المهدي. وقد عرفت ولاية الجزيرة بأنها معقل الخوارج مما جعل الجاحظ يقول:"أما الجزيرة فحرورِيَة شارِية وخارجة مارقة"(الجاحظ: في مناقب الترك، طبعة سنة ١٣٢٤ هـ, ص ١٠، وانظر عن الخوارج في الجزيرة: حدود العالم، ترجمة مينورسكى، ص ١٤٠). ووقعت في عهد هارون الرشيد فتنة الوليد بن طريف الخارجى التغلبى (انظر ابن الأثير، جـ ٦، ص ٤٧). وحدثت وقائع عنيفة من التمرد الخارجى في النصف الثاني من القرن الثالث الهجرى (السادس الميلادي) أحدثها مساور ثم هارون الشارى من يعده وقد قضى المعتضد على هاتين الفتنتين.
وحدث في العصر العباسى أن فصلت الموصل في بعض الأحيان عن حكم الجزيرة، وكانت الولاية في أحيان أخرى تندرج في تقسيمات إدارية أكبر. فكانت أرمينية، وهي الولاية المجاورة للجزيرة، ترتبط بها في كثير من الأحيان أو تتحد مع ديار بكر عند الضرورة، ونذكر من ولاة الجزيرة الجديرين بالتنويه: طاهر بن الحسين، ثم ابنه عبد الله بن طاهر في عهد المأمون. وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) تملصت الجزيرة مدة من إسار السلطة المركزية وأصبحت تابعة لحاكم مصر الطولونى وذلك في ولاية إسحاق بن كنداجيق ثم في ولاية محمد بن أبي الساج، ثم في ولاية ابن إسحاق. ولكن الخليفة المعتضد استرد الجزيرة بعد سنة ٢٧٩ هـ (٨٩٢ م). والجزيرة وطن الأسوة الحمدانية التي عمدت بعد كثير من التجوال (كان حمدان نفسه جد هذه الأسرة خارجيا) إلى مد سلطانها على الولاية بأسرها التي كانت مقسمة بين الأمارتين الحمدانيتين الموصل وحلب اللتين كانتا مستقلتين تماما تقريبا وإن كانتا تعترفان بسلطان الخليفة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى حكم بويهية بغداد بعد