يواجهون نصوصًا استعمل فيها هذان اللفظان بمعان مختلفة: أحيانًا بمعنى واسع، وأحيانا بمعنى اصطلاحى، وحتى هذا المعنى الاصطلاحى كان يختلف، ومن ثم فإنهم جنحوا إلى تفسير الجزية والخراج على ضوء المعنى الذي كان قد أصبح شائعا محددًا خير تحديد في زمنهم حتى يمكنهم ذلك من الخروج بصورة معقولة عنهما! ثانيا: أن ثمة حقيقة لم تقدر حق قدرها وهي أن النظام الذي انبثق من الفتح العربي لم يكن موحد، ، وإنما نجم من سلسلة من الاتفاقات أو الأحكام الشخصية غير المتطابقة؛ وثالثا وأخيرًا أن هذا النظام قد أعقب النظم السابقة ولم يطح بها، وكانت هذه النظم نفسها يختلف الواحد منها عن الآخر، كما أنها كانت- إلى ذلك- في العصر السابق على الإسلام مباشرة، غير مفهومة على الوجه الأكمل ويختلف الناس حولها، وفي مثل هذه الظروف فإن البيان الذي نورده فيما يلي لا يمكن إلا أن يكون دليلا موقوتًا إلى الموضوع.
وكلمة "جزية" -التي ربما كانت ترتبط بأصل آرامى- وقد وردت في القرآن (سورة التوبة، الآية ٢٩) حيث طبقت- حتى في ذلك الوقت- على الرسوم المطلوبة من النصارى واليهود، على أنها - فيما يرجح- كانت- بمعنى مطلق بعض الشيء- تطابق أصل "التعويض"(عن عدم اعتناق الإسلام)، وكانت- على آية حال- ضريبة جماعية لا تختلف عن غيرها من صور الضرائب، كما تركت طبيعة مضمونها غير محققه" (تختلف الشواهد التي ساقتها كتب السيرة اختلافا شديدًا وكانت الجزية تتكيف بالظروف الشخصية لكل جماعة). ومن الجائز أن نجد السوابق، مع التغيرات الضرورية، قائمة في جزيرة العرب أيام الجاهلية خارج النطاق الدينى، نجدها متمثلة في ظروف خضوع الواحات المعمورة لمجموعات من القبائل أقوى منها نظير حماية هذه الواحات. على أن العرب- ورثة النظامين البوزنطى والساسانى- لم يجدوا مناصا من مواجهة مشاكل عملية جديد نتيجة لما فتح الله عليهم من بلاد.