وطبيعى ألا يكون ثمة تردد حول وجوب أن يؤدى أهل الذمة للجماعة الإسلامية ضريبة كانت في نظر الفاتح دليلا ماديًا على خضوعهم، كما كانت في نظر أهل البلاد امتدادًا محسوسًا للضرائب التي كانوا يؤدونها للنظم التي كانت تحكمهم قبل الفتح العربي. وهذه الضريبة يمكن أن تكون على أنواع ثلاثة تتوقف على أمور هي: هل تفرض على أشخاص بصفتهم هذه، أم على الأرض، أم أنها ضريبة جماعية لا ترتبط بأى نوع من التقويم؟ وتدل النصوص في العصر العباسى على قيام فارق نظرى واضح بين ضريبتين: ضريبة على الأرض وهي الخراج، ولايمكن إلغاؤها إلا في حالات خاصة فحسب، ذلك أن الأرض قد فتحت قطعًا لصالح الجماعة الإسلامية الثابتة" وضريبة على الأفراد، ونعنى بها الجزية، وهي من حيث هي تنتهي بدخول الممول في الإسلام، على أن هذه التفرقة أبعد ما يكون عما يحدث، ذلك أنها لم تقم في جميع الأحوال- سواء من حيث الفقه أو من حيث الواقع- في القرن الأول للإسلام، والمشكلة ببساطة هي تحديد ما هي السنة الأولية التي جرت عليها الحال وكيف انتهى الأمر بالتدريج إلى نظام نهائي ثابت.
وقد بدأ فلهوزن ثم بيكر وكيتانى وغيرهم بالحقيقة التي لامرية فيها وهي أن المأخوذ من النصوص القديمة غاية القدم أن كلمة جزية وكلمة خراج قد فهما في جميع الأحوال إما بالمعنى الواسع الذي يفيد الضريبة الجماعية، وإما بمعنى ظاهر أنه أضيق من هذا وإن كان معنى متبادلا (الخراج على الرؤوس والجزية على الأرض وبالعكس)، ثم أقاموا نظاما نسب فيه إلى العرب في زمن الفتوح أنهم فرضوا ضريبة جماعية على المهزومين دون أن يعنّوا أنفسهم بالتفريق بين المصادر المختلفة الممكنة للضريبة، وإنما كانت كثرة الداخلين في الإسلام هي التي أدت، في خاتمة العصر الأموى، وفي خراسان بخاصة، إلى التفريق في الموارد الجماعية بين ضريبتين: الأولى على الرؤوس تبطل في حالة الذمى، والثانية على الأرض بقيت خاضعة للأحكام التي فرضها عليها الفتح. وهذه