-١٤٧). على أنه قد أصبحت الجماعات الريفية آنئذ قادرة على أن تدخل في الإسلام، فإن المشكلة لم تعد تمس الجزية، ومن الراجح أنها كانت أقل خطورة بالنسبة للجماعات المسيحية المكينة التي ظلت مخلصة لعقيدتها (لبنان، والجزيرة العليا، ومصر نفسها) وحيث كانت المسئولية الجماعية تناهض الهجرة (الكتاب المذكور، ص ١٥١). ولعل عوامل أخرى قد كان لها أثر في تشجيع الارتباط بالأرض، ومناهضة الهجرة إلى المدن، وهي عوامل لايمكن أن نناقشها هنا. والظاهر- على كل حال- أن هذه المشكلة في القرون التالية لم تعد تتمثل في الحدود التي عرفها بها أبناء العرب الفاتحين.
ومن هنا شهد العصر العباسى تخصيص المصطلحات، كما حدث بالنسبة للنظم، في الكتابات الاصطلاحية والفقهية على الأقل (وتتناول كتب الفقه هذا التخصيص ملحقًا للجهاد)، وعلى حين نجد أن الخراج لم يعد يدل على شيء سوى ضريبة الأرض، فإن الجزية إنما طبقت من ثم على ضريبة الرؤوس علي الذميين. وحدث أن فقدت الجزية أهميتها المالية في كل مكان حين لم تعد الجماعات غير الإسلامية متفوقة في العدد. بل إنها حين نقصت على هذا النحو فإنها لم تعد- فيما يظهر- موحدة. ذلك أن الشام وفلسطين ومصر احتفظت بنظامها الخاص حتى القرن الثامن عشر (انظر Gibb- Bowen: جـ ١/ ٢، ص ٢٥٤، النابلسى في Impots du Fayyum: Cl. Cahen في - Arab ca؟ ، جـ ٣، سنة ١٩٥٦، ص ٢١ - ٢٢) بالرغم من توكيدات اصحاب النظريات (بما فيهم البلاذرى، ويستثنى من ذلك بصفة خاصة مالك والشافعي) في حين أن نظام الضرائب الطبقى المنسوب لعمر ظل يمارس في مصر ومنها انتقل من بعد إلى الولايات غير العربية للإمبراطورية العثمانية. والأهمية العددية له بالنسبة للذميين، كما حدث قبل ذلك في آسية الصغرى السلجوقية، (انظر عن هذه النقطة بصفة خاصة كريم الدين آقسرابى: مسامرات الأخبار، طبعة طوران، ص ١٥٣، مع تحليل ف. إشيل طاك , ١٩٤٣، ٨١)