تضفى مرة أخرى أهمية كبيرة على الجزية، ولو أن الكلمة التي كانت تطلق عليه في كثير من الأحيان هي الخراج (كانت ضريبة الأرض في تلك الأيام تحمل أسماء أخرى).
والظاهر أن عددًا معينا من القواعد التي سنت في العصر العباسى كان -بصفة عامة- معمولا به من ذلك الوقت فصاعدًا. وكانت الجزية لاتجبى إلا من الذكور البالغين الأحرار القادرين الأصحاء الجسم ومن ثم استثنى منها الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء، والرقيق، والمرضى والمختلو العقول. وقد أعفى منها الأجانب بشرط ألا يكونوا مقيمين إقامة دائمة في البلاد, أما سكان الثغور الذين يمكن في بعض الأحيان أن ينخرطوا في عداد الحملات العسكرية- وكانوا غير مسلمين (الجراجمة والأرمن وغيرهم) - فقد أعفوا من الجزية عن السنة التي نحن بصددها.
ولما كانت الجزية ضريبة شخصية محددة، فإنها كانت تجبى بحساب السنة القمرية (قبيل أو بعيد بداية السنة بصفة عامة، كما كانت أيام المماليك تجبى أحيانا في رمضان)، وهي تخالف في ذلك الضرائب المرتبطة بالزراعة. ومن ثم كان في الإمكان أن تفصل عن هذه الضرائب في التحصيل والتزامات الإقطاع. وقد اشترط الأداء نقدا، وكان الجارى أن يفرض الأداء به، ولكن الأداء عينا كان جائزا يحكمه معيار رسمي محدد للتسوية بين النقد والعين. ويجب على المرء- بنص القرآن - أن يعطى الجزية "عن يد"، وقد فسرت هذه العبارة منذ ذلك- وربما كان ذلك خطأ- بأنها تعنى "عن يده" أي مسلمًا بيده، أي شخصيا (انظر عن هذه النقطة: Some Minor: Rosenthal problems in the Quran في Starr Memorial Volume نيويورك سنة ١٩٥٣, ص ٦٨ - ٧٢, co-: cl- cahen ٩ - ran IX في Arabia جـ ١، سنة ١٩٦٢ ص ٧٦ - ٧٩) وإداريًا، وهذا المعنى قد يوحى بالحاجة إلى عدد السكان غير المسلمين، ومن هنا كان- على سبيل المثال- منع أعيان جميع القرى من قبول مبلغ إجمالى عن الجزية من الخاضعين لهم. زد على ذلك