وقد صبغ جغرافيو مدرسة البلخى الجغرافية العربية بلون إسلامي أكيد. ولم يكتف هؤلاء بالاقتصار في معظم ما كتبوا على البلاد الإسلامية، بل ركزوا أيضًا على التصورات الجغرافية التي من قبيل ما ورد في القرآن أو تلك التصورات القائمة على الأحاديث أو أقوال الصحابة وغيرهم، مثال ذلك أنهم شبهوا جرم الأرض بطائر كبير. وهذا يطابق ما ورد في حديث روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ابن الفقيه، ص ٣ - ٤). ثم إنهم يقولون إن جرم الأرض مستدير الشكل يحيط به البحر المحيط إحاطة العقد بالعنق، وينصب منه الخليجان (البحر المتوسط والمحيط الهندى) إلى الداخل دون أن يمتزجا، إذ يقوم بينهما البرزخ عند بحر القلزم، وهو تصور نجده في القرآن. ثم نجدهم أيضًا يخالفون بعض جغرافيى المدرسة العراقية، فيجعلون الجزيرة العربية هي صرة العالم، ذلك أنها تضم مكة والمدينة. وهذه النزعات الجديدة في منهج دراسة الجغرافيا وتناولها أصبحت السمة الغالبة على جغرافيى هذه المدرسة، ولا شك أنها في جميع الاحتمالات ذروة ذلك الصنيع القديم الذي سوّدت فيه طائفة من الجغرافيين مكة على العراق. وكان الغرض الأكبر الذي توخاه هؤلاء الجغرافيون المتأخرون هو أن يصفوا "بلاد الإسلام" دون غيرها مقسمين إياها إلى عشرين إقليما، فيما عدا أنهم تناولوا البلاد غير الإسلامية على الإجمال في مقدماتهم.
وكان الأساس الذي اتخذه لهذا التقسيم إلى "أقاليم" لا يقوم على منهج الكشورات ولا على منهج الأقاليم اليونانية، وإنما كان تقسيمهم إقليميا وطبيعيا صرفا. ويعد هذا منهم تقدما إيجابيا بالنسبة للمناهج السابقة، بل جديدا بوجه من الوجوه. والأمر كما بين ابن حوقل (ص ٢ - ٣) فهولم يتبع نموذج "الأقاليم السبعة" ومن ثم فقد رسم ابن حوقل خريطة قائمة بذاتها لكل قسم مبينًا موضع كل "إقليم" وحدوده وغير ذلك من المعلومات الجغرافية. وثمة مأثرة هامة تحسب لهؤلاء الجغرافيين، وهي أنهم قد قعدوا الجغرافيا ووسعوا نطاقها