بإدخال موضوعات جديدة حتى يزيدوا في فائدتها وأهميتها، ذلك أنهم رأوا أن دائرة أوسع من الناس كانوا يعنون بها، مثل الملوك وأهل المروءة ووجوه القوم في جميع الطبقات (ابن حوقل، ص ٣). أما في ميدان رسم الخرائط، فإنهم لم يكتفوا برسم الخرائط الإقليمية على أساس من العلم أكثر، بل يمكننا أن نقول أيضًا إنهم قد أدخلوا عنصر المنظور. فقد رسموا خريطة مستديرة للعالم بينوا فيها الأقطار المختلفة لبلاد الإسلام وغير ذلك من الأقطار الإسلامية في العالم. وكان غرضهم بيانها في منظور صحيح وإظهار الموضع والحجم لكلٍّ منسوبا إلى الآخر. ولما كانت هذه الخرائط لا تمثل الحجم الصحيح (مستدير، مربع، مثلث)، فقد رسموا كلا بحجم مكبّر. ورسم هذه الأقطار على أساس طبيعى خالص، كان فيما يرجح أول تجربة من نوعها في رسم الخرائط عند العرب، وخرائط الإصطخري وابن حوقل، في هذا الخصوص، تفوق خرائط الإدريسي، ذلك أن الإدريسي قسم الأقاليم السبعة العرضية إلى عشرة أقاليم طولية لكل، ورسم خريطة قائمة بذاتها لكل قسم، ونشأ عن هذا أن هذه الخرائط الخاصة بالأقسام لم تمثل وحدات جغرافية بل أقساما هندسية وقد مثل الإصطخري وابن حوقل والمقدسى للمرة الأولى فكرة القطر محددًا بمصطلحات جغرافية، بل ذهبوا إلى حد تعيين حدود كل قطر، كما عينوا حدود الممالك الأربع الرئيسية في العالم سواء بسواء.
والظاهر أن أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى الإصطخري (النصف الأول للقرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي) كان صاحب الفضل الأول في نشر أفكار المدرسة البلخية. ولا نعرف عن حياة الإصطخري إلا القليل، على أننا نعلم أنه أكثر من الرحلة وضم تجاريبه في رحلاته إلى كتابه "المسالك والممالك"(ظهرت حديثًا طبعة جديدة لهذا الكتاب، قام بها جابر عبد العال الحينى، القاهرة، سنة ١٩٦١). ولا يخامرنا إلا شك قليل في أن كتاب المسالك والممالك قد اعتمد على كتاب أبي زيد البلخى. وقد أفاد كتاب الإصطخري جغرافيى هذه المدرسة من