العام، ومع أنها -في معظمها- من تهاويل الخيال، إلا أنه لا يمكن إهمالها جميعها بحجة عدم صحتها وإسقاطها في آية دراسة جادة للجغرافيا العربية والارتياد عند العرب. والظاهر أن الحاجة كانت ماسة في ذلك العهد إلى القصص العجيبة المسلية، يشهد بذلك وجود عدة مخطوطات بالعربية لكتب العجائب.
وقد كان ذلك العهد يتميز عامة بروح البحث والتمحيص والارتياد عند العرب. على أن الكتب البحرية، التي فقد معظمها فيما يظهر، وقفت مواجهة للمعرفة النظرية المستقاة من الإغريق وغير ذلك من المصادر. ومن ثم حدث في بعض الأحيان تناقض بين النظر والعمل، وكان هذا هو المشكلة الجوهرية التي واجهها الجغرافيون والرحالة العرب، كما كان هذا الصراع بين النظر والعمل هو الذي حدد آخر الأمر تطور الجغرافيا العربية في العهد المتأخر. ذلك أنه حين كان أهل العمل يسلمون لأهل النظر يتأكد تدهور الجغرافيا العربية. وإنا لنتسائل: لم لم يوثق بكمة الملاح والرحالة والتاجر الثقة الجديرة بها؟ وتفسير هذه المسألة عسير؛ بيد أننا نقول إن عددًا كبيرًا من الكتب البحرية لا مناص من أن يكون قد فقد نتيجة للإهمال أو العداء.
(هـ) البيروني ومعاصروه:
يمكن أن نعد القرن الخامس الهجرى (الحادي عشرالميلادى) ذروة التقدم الذي بلغته الجغرافيا العربية، ذلك أنه ما وافى هذا العهد حتى كانت المعرفة الجغرافية عند العرب، سواء كانت مستقاة من الأغريق وغيرهم، أوكانت قد نمت بمعرفة العرب بفضل أبحاثهم وملاحظاتهم أو رحلاتهم، قد بلغت مستوى رفيعًا جدًّا من التقدم، زد على ذلك أن الكتب الجغرافية كانت قد غدت لها مكانة خاصة بين المكتبة العربية، كما كانت الأساليب والمناهج المختلفة في عرض المادة الجغرافية قد تقدمت وانضبطت. وأهمية ما أسداه البيرونى إلى الجغرافيا عند العرب أهمية مزدوجة: فهو أولًا قد ساق ملخصًا نقديا لجميع المعرفة الجغرافية حتى زمنه، ولماكان متضلعًا فيما حققه