الغائب عن حواسه حتى يعود إليها" (جـ ٣، ص ٤٦٧٧ وما بعدها). ويذهب جلال الدين إلى حد التسليم بوجود عنصر من النشاط في العالم الآخر بحيث أن المرتبة العليا في حياة الروح لا تكون "هي التحقق بل الشوق غير المحدود بعد التحقق". - وثمة سر خفى يكمن هنا في حقيقة أن موسى خرج ليجرى صوب خضر ... وهذا الرحاب الرباني هو الساحة التي لا تحدها حدود أترك مقعد الشرف وراءك، فإن الطريق هو مقعد الشرف"(جـ ٣، ص ١٩٥٧ وما بعدها).
أسلوب جلال الدين الرومى: يحكم أسلوب غزليات جلال الدين في الديوان أن الكثير منها قد تغنى به الشاعر نفسه أو قصد به أن يغنى وثمة رواية جد مشهورة تظهر لنا جلال الدين يرتجل الأغانى الشعرية وهو يذكر بلطف حول عمود في مدرسته، وهناك رواية أخرى تخبرنا كيف وجد جلال الدين واحدا من مريديه ورفاقه المحبوبين، ونعنى به الحداد صلاح الدين زركوب الذي ذكرناه آنفا، يستمع مفتونا في طريق للوقع الموزون لضربات مطرقته. وإحساسه القوى بالايقاع لا يقترن دائما بانتباه مساو للأحكام الصارمة للشعر الفارسى القديم الكمّي. وما أكثر ما شكا من التفاعيل ("مفتعلن مفتعلن مفتعلن قللتنى قتلتنى! ")، ونحن نجد في ديوانه ومثنويه في أكثر من بيت مخالفات شديدة للقواعد العروضية. ونستطيع أن نميز في ديوانه أسلوبا "غنائيًا" وأسلوبا "تعليميا". وكثيرا ما نجده في بعض غزلياته يبدأ بالأسلوب الغنائى (إيقاع قوى وايقاع مزدوج إلخ) ثم ينتقل ببطء إلى الأسلوب التعليمى والعكس بالعكس. ويمكننا أن نميز ثلاثة أساليب في المثنوى الذي هو حديث منفرد متصل ينجذب فيه المتحدث كثيرًا بكلمة لم ومجموع من الكلمات العارضة ثم ينتقل إلى موضوعات ونوادر ونوادر فرعية متجددة دائما أبدا: الأسلوب "القصصى" الخالص. على أن الذي يحدث في نهاية القصة أو أثناءها، أن تدخل التعليقات في أسلوب تعليمى. والظاهر أن الناظم هنا وهناك، في متن