سد حاجات الجيش. وحتى إذا كانت بنود الميزانية ميسورة فإن بيت المال لم يكن دائما يملك المال السائل الذي يتطلبه أداء أعطيات الجند في الوقت المطلوب، فإذا حدث هذا وقعت الدولة في حلقة مفرغة أخرى، وكانت شكاوى أولئك الذين يقع عليهم هذا العبء من جراء تأخير الصرف إنما تهدأ خواطرهم بزيادات تتورط فيها الدولة مستقبلا تورطا أكبر. وما أكثر ما كان الخلفاء يتركون حكم ولايات الدولة للقواد على شريطة أن يؤدى هؤلاء، وليست الدولة، أعطيات جيوشهم.
ولسنا بحاجة كبيرة إلى التذكير بالطريقة التي أدى بها هذا التطور إلى قيام إمارات مستقلة استقلالا ذاتيا على أن هذه الطريقة أيضا لم تحل مشكلة إيجاد موارد بوسيلة أو بأخرى لسد تكاليف الجيش بأسره.
وكان هذا هو السبب الذي لم يلبث أن اقتضى إعادة تنظيم طريقة الدفع تنظيما شاملا وذلك بنشر وتغيير نظام الإقطاع الذي سمح باختصار للجيش أن يفرض الضرائب على قرية أو كورة وبذلك يأخذ مباشرة من المنبع المبالغ المستحقة له، وليس في الإمكان أن نتعمق هنا في بيان التعديلات التي أدخلت على النظام الإدارى الذي نشأ من هذا التطور. ولكن مما هو جدير بالملاحظة أن قيمة الإقطاع كانت فيما يظهر أكبر كثيرا من أعطيات الجيش السابقة (٥٠٠ - ١٠٠٠ دينار). وهذا يدل بوضوح على زيادة أهمية الجيش من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، ويتفق مع حقيقة أن المقاتل من الفرسان كان عليه أن يقدم من إقطاعه بعض الأتباع وأن يتكفل بقدر كبير متزايد من عدته ويتكفل أيضا بكل ما يحتاجه من مؤن. ويجب أن نذكر أيضا أن المُقْطَع في الناحية التي أقُطعت له اصبح عليه وقتذاك أن يتحمل النفقات التي كانت تتحملها الدولة من قبل، ومن ثم فإن كل ما يغله الإقطاع لم ينفق فقط في سد النفقات البسيطة التي كان يتطلبها الأمر في العهود الأولى. وقد جربت هذه التطبيقات المتنوعة غاية التنوع للإقطاع في ولايات مختلفة وفى أزمنة مختلفة، ولا نستطيع هنا أن نحصى إلا عددا قليلا منها، ويمكن أن يطبق نظام