غير أن الحاكم أظهر طوال مدة حكمه ميلا شديدا إلى القسوة البالغة وسفك الدماء، وكانت ضحاياه على الأخص كبار رجال الدولة وقواد الجيش، وقلما مات واحد منهم فى هذه الفترة حتف أنفه. وسرعان ما ظهرت عواقب هذا الحكم البغيض القائم على العسف، ذلك أن "أبا ركوة" الأمير الأموى الأندلسى انتقض على الحاكم وهدد مصر وعاصمتها بالخراب والدمار، وبادر "بنو قرة" و"زناته" إلى مساعدته إذ ضاقوا ذرعا بقسوة الحاكم وعنفه، وعاونته كتامة بعد ذلك، وإنما استطاع القائد الباسل و"الفضل" بعد جهد جهيد أن يتغلب على هذا العدو الخطر سنة ٣٩٦ هـ (١٠٠٦ م).
ولعل الخليفة قد تأثر بهذه الأحداث وبقلة المحصول سنوات متتاليات، فلم يجد بدا من التخفف من شدته ومراضاة أهل السنة، بل لم يقتصر الخليفة على ذلك بل أبطل تلك العادات التى تدخل فى صميم الإسماعيلية وسلك السبيل المستقيم إلى السنة، وإلى هنا نستطيع أن نجد البواعث التى حدت بالحاكم إلى فعل ما فعل، ولكننا لا نستطيع ذلك بحال من الأحوال فى السنوات التالية، لأننا نتبين من ذلك الفيض من المراسيم التى كان يصدرها الخليفة ويغيرها بلا انقطاع، أنَّه كان يميل تارة مع الإسماعيلية، وتارة مع أهل السنة؛ وإنما ظل على رأيه فى اضطهاد النصارى واليهود ومعاملة عمال الدولة فى وحشية لا يفرق فى ذلك بين دين ودين.
الدور الثالث: من عام ٤٠٨ - ٤١١ هـ الموافق ١٠١٧ - ١٠٢١ م:
ومهما يكن من شئ فقد كان الخليفة يتبع تعاليم الإسماعيلية الباطنية إلى غايتها، متأثرا فى ذلك بالأخرم وحمزة الزوزنى ودرزى الداعى الباطنى، وذلك عام ٤٠٨ هـ (١٠١٧ م). أما وقد عرفنا نفسيته فليس بمستغرب أن يخطو هذه الخطوة، كما يجب ألا يغيب عن بالنا أيضا أن أباه وجدّه قد زعما من قبله فيما يظهر أنهما على الأقل قادران على الإتيان بالخوارق (Druzes: de Sacy Chalifen: Wuestenfeld Fatimiden -، ص ١٦٠). أما أن الحاكم قد أظهر آخر