بنقش هذه الصيغ اللعنَّية على جدران العمائر وكذلك على حوانيت الأسواق، وقد أثار ذلك شغبا وقت العودة من الحج. ومن ثمَّ نسخ هذا الأمر بعد ذلك بسنتين، وصدر أمر بإزالة صيغ اللعن ومعاقبة أى فرد يسئ إلى صحابة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. وجدد هذا الأمر سنة ٤٠٣ هـ (١٠١٣ م). وينتمى أيضا إلى هذا التغيير فى السياسة والعودة إلى الشعائر السنية إباحة الاحتفال بشهر الصوم. وبعيد الفطر كما كان يفعل أهل السنة حين يراعى شهود القمر الجديد، فى حين أن القانون الفاطمى قد حدد بداية الشهر طبقًا للأرصاد الفلكية؛ ونذكر أيضا إبطال الاحتفال بعيد غدير خم (المقريزى، جـ ١، ص ٣٨٩، ١٠).
والإجراءات الصارمة التى اتخذت حيال أهل السنة أثارت حماسة شديدة لمذهب الشيعة واحتشد الناس فى المحاضرات التى كان يلقيها فى المسجد قاضى القضاة عبد العزيز بن محمَّد بن النعمان حتى توفى بعضهم من الاختناق.
وكان إنشاء "دار العلم" أو "دار الحكمة" سنة ٣٩٥ هـ (١٠٠٥ م) من الأعمال الأخرى التى قصد بها محاربة السنية ونشر الدعوة الإسماعيلية.
وكانت المراسيم ذات الصفة الأخلاقية الاجتماعية من أغرب القرارات التى أصدرها الخليفة، وهى حين تكون بريئة من الهوى والنزوات الخالصة، فإنَّه من المستطاع أن ننسبها إلى حرص على نشر الأخلاق الفاضلة ومحاربة الخلاعة.
وقد أثر تحريم الخمر الذى أسلفنا بيانه على المسلمين والمسيحيين ولم يراع هذا التحريم فى ثورة أبى رَكْوَة. وقد نسخ هذا التحريم سنة ٣٩٦ هـ (١٠٠٦ م) حين بيّن طبيب الحاكم له أن الخمر قد تفيد الصحة. على أن هذا الأمر أعيد عدة مرات وكان الغرض من ذلك بلا ريب مراعاة الأخلاق. ومن هذا القبيل غلق البيوت المشبوهة ومنع الناس من الظهور فى الحمامات من غير ما يستر الحقوين، وتحريم بيع القيان المغنيات، وتحريم الجعة (الفُقاع) وبيع الشهد والزبيب (الذين يمكن