للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجماعات المتنافسة. ويروى يحيى بن سعيد مشهد فتنة حدثت سنة ٤٠٧ هـ (١٠١٦ - ١٠١٧ م) حين حمل الحاكم بالفعل وهو فى الطريق رجلا من حاشيته السود بأن يجعل فاسقًا عجوزًا يتعرض إلى عراك مهين وراح يضحك وهو يشاهد هذا المشهد. وكان الحاكم يصاب فى بعض الأحيان وهو فى جولاته التى من هذا القبيل بنوبة من الجنون المطلق. وقد حدث فى يوم من الأيام وهو يمر بحانوت قصاب أن أمسك بساطور الجزار وضرب به أحد رجال حاشيته فقتله، ومضى فى سبيله دون أن يلقى بالا لجثة الرجل. ولم يجسر الناس المزدحمون أن يفعلوا شيئًا للجثة فظلت على حالها حتى أرسل الحاكم كفنًا يوارى به الجثة التراب.

وفى سنة ٤٠٥ هـ (١٠١٤ - ١٠١٥ م) زادت هذه الانطلاقات، فقد شوهد الحاكم فى الطرقات عدة مرات فى يوم واحد، ولم يتخل عن الخروج إلى الطرقات حتى وهو مريض، بل كان يحمل فى هذه الحالة على محفة.

ويمكن أن نعد من انحرافاته نوبات التواضع والتقشف التى كانت تنتابه فجأة، اللهم إلا إذا ظن أنَّه كانت تنتابه دائما نزعة إلى الصوفية. ونحن نراه سنة ٤٠٣ هـ (١٠١٢ - ١٠١٣ م) يمنع رعاياه من السجود أمامه. وقرع الطبول أو النفخ فى الأبواق فى جوار القصر. واهتم اهتماما كبيرا بالاحتفال بالأعياد الإِسلامية الكبرى دون أبهة ولا زينة، وقد أظهر الزهد فى كامل ما يفعل: فى الطعام وفى ملذات الجسد - وجعل شعره ينمو طويلا وراح يلبس ملابس خشنة من الصوف الأسود، ولا يركب إلا حمارا ويوزع الصدقات فى إسراف، وفى سنة ٤٠٤ هـ (١٠١٣ م)، أى بعد أن نودى بابن عمه عبد الرحمن بن إلياس وليا للعهد، وكل إليه كل شئون الدولة. . وكان ولى العهد هذا هو الذى يمتطى صهوة الجياد فى المواكب الرسمية واضعا شارة الخلافة، على حين ظل الحاكم يركب حمارًا. وحوالى نهاية عهده زاد تواضعه هذا وزهده حتى أصبح لا يغير ملابسه ويرتديها قذرة تفوح منها رائحة العرق والتراب وتلصق بجسمه. فكان يتجول فى