الريف ويرقى تلال المقطم ويخرج وحيدا يتمشى بغير صحبة طويلا فى حين يأمر اتباعه أن ينتظروه على مسافة ويتخيل أنَّه يخاطب الله.
وأدى به جنونه (اللهم إلا إذا كان هذا الجنون حقا عن عقيدة دينية مطلقة، أى عن اعتقاد فى الإسماعيلية بلغ مداه) إلى قبول نظريات غلاة الإسماعيلية والتشجيع عليها، وهى القائلة بأن الله قد حل فيه. وقد ساق المؤرخون بيانات أقرب إلى الاضطراب عن الأدوار الخاصة التى لعبها دعاة الإسماعيلية في هذا الشأن، وهم حسن بن حَيْدَرَة الفرغانى الأخرم، وحمزة بن على بن أحمد الزوزانى ومحمد بن إسماعيل أنُشْتكين الدَرَزى، ومن المحقق أن عدة مراحل فى هذه الرواية قد التبس بعضها فى بعض. على أن الظاهر أن هذا الموضوع بدأت الدعوة إليه سنة ٤٠٨ هـ (١٠١٧ - ١٠١٨ م) بموافقة الخليفة. ويكاد يكون من المحقق أن حمزة دعا إليه أولًا وأن الدرزى كان تلميذه، ولو أن يحيى يجعل حمزة يظهر بعد الدرزى. زد على ذلك أنَّه كان ثمة تنافس بين الاثنين. ويقول راوية أن الدرزى قتل على يد الأتراك الذين أثارت نظرياته غضبهم، وجاء فى رواية أخرى أن الخليفة خشى على حياة الدرزى فأرسله سرًا إلى حوران. ويقال أيضًا إن الأخرم كان تابعا من أتباع حمزة، ويقال إنه قدم للقاضى وهو يحكم بين الناس فى مسجد عمرو صحيفة بدأت بعبارة "بسم الحاكم الرحمن الرحيم"، وقد أثار ذلك شغبا ذبح فيه أصحابه على حين استطاع هو الهرب. وتقول بعض الروايات إنه قتل على يد تركى من الأتراك. وجاء فى رواية أن حمزة الذى كان صاحب حظوة كبيرة لدى الحاكم وكان على صلة خاصة به، قد اضطر إلى المضى إلى حوران والاختفاء فيها. ولا نعلم ماذا انتهى إليه أمره بعد اختفاء الحاكم، ولكن المعلوم أنَّه كان مؤسس المنهج الكلامى عند الدروز.
وليس من الواضح هل كان اختفاء الحاكم نتيجة مباشرة لهذا كله وإلى أى حد تسببت هذه الدعوة فى زيادة جنون الخليفة؟