هذا إلى أن البخارى يزيد فى الغالب على عناوين أبوابه تعليقات مستفيضة لا نجدها فى صحيح مسلم، وإن كان كلاهما يتقصى الأحاديث حيثما كانت متبعين شتى الطرق، وكلاهما يشتمل، لا على الأحاديث المتعلقة بالفقه والحلال والحرام وحدها، بل على كثير من الأحاديث التاريخية والخلقية وأحاديث تتناول العقائد (انظر GoIdziher المصدر المذكور، جـ ٢، ص ٢٣٤ - ٢٤٨).
وعلى عكس ذلك نجد أن الكتب الأربعة الأخرى تقتصر على السنة أى الأفعال المأثورة، ولا تشتمل على الأحاديث التى تعتبر صحيحة فقط بل تشتمل أيضًا على الأحاديث الحسنة، وبالجملة على جميع الأحاديث التى اعتمد عليها العلماء استنباط الأحكام، ولو كان الشك قائمًا فى إسنادها.
وعندما كان يرى هؤلاء المصنفون أن حديثًا يمكن رفضه، فإنهم كانوا فى العادة يلفتون نظر القارئ إلى ذلك (انظر Goldziher المصدر نفسه، جـ ٢، ص ٢٤٨ وما بعدها).
وهناك تفسير واضح للسمعة الحسنة التى ظفرت بها هذه الكتب الستة، ففى القرن الثالث كانت الأحوال ملائمة جدًا لجمع الأحاديث إذ كان لا بد من توافر إجماع معين فى جميع المسائل المتعلقة بالعقائد والأفعال، وكونت الكثرة الغالبة من علماء المسلمين رأيًا معينًا فى قيمة أغلب الأحاديث، فأصبح من الممكن البدء عند ذاك فى جمع كل ما اتفق على صحته. ومن هنا ترى أن قيمة البخارى وغيره من أصحاب الصحاح لم تكن - كالخطأ الشائع - لأنهم قرروا لأول مرة أى هذه الأحاديث المتداولة كان صحيحًا وأيها كان كاذبًا، فرأيهم الخاص لم يكن ليؤثر كثيرًا فى الرأى الغالب، وإنما تنهض قيمة كتبهم فى الأكثر على أنها جمعت فى صعيد واحد كل ما اتفق المؤمنون فى عهدهم على أنه صحيح (انظر Snouck Hurgronje: المصدر المذكور).
وهناك مجموعات أخرى مشهورة للحديث صنفت فى القرن الثالث أيضًا مثل "سنن عبد الله الدرامى، (المتوفى سنة ٢٥٥ هـ = ٨٦٨ م) ولكن هذه