هذا فى السنة التى رواها الثقات وبينوا طرق روايتها ووصلوا أسانيدها شيخًا عن شيخ سماعا فى أول أمرهم وكتابة وسماعًا فيما بعد ذلك، ونقدوا الرواية والرواة أدق نقد وأحكمه، فماذا يقال فى غيرها من الروايات والكتب التى لا سند لها ولا نقد لرواتها؟ !
(٥) هذا النوع من الرواية داخل فى الأنواع السابقة والروايات الصحيحة ثابتة معروفة، والروايات الباطلة معروفة، نص علماء الحديث على إبطالها. وإنما أفرد كاتب المقال هذا النوع، لأنه لا يريد أن يسلم بنبوة رسول الله وبأنه يوحى إليه من عند الله, فهو لذلك يعتبر أن كل حديث من هذا النوع مكذوب، لأن صحته معناها صحة نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أخبر عن شئ قبل وقوعه بوحى من الله إليه. أما المسلمون فيصدقون رسولهم ويؤمنون بأنه رسول يوحى إليه وبأنه يخبر عن الغيب الذى يوحيه الله إليه؛ لا أنه يعلم الغيب من نفسه إنما هو بشر يتبع ما يوحى إليه - صلى الله عليه وسلم -.
(٦) لكاتب المقال أن يطمئن إلى جولدسيهر وآرائه وأبحاثه، إذا ما راقت له وصادفت هوى نفسه، أما نحن رجال الحديث ونقاده فنأبى أن نقيم له وزنًا، لا عن عصبية وهوى, ولكن عن برهان وحجة. لم أقرأ مؤلفات جولدسيهر التى يشير إليها كاتب المقال، لأنها لم تترجم إلى العربية، ولكننى قرأت له كتابًا ترجمه أحد علماء الأزهر، وهو كتاب (المذاهب الإسلامية فى تفسير القرآن) فرأيته نقل شيئًا فى القراءات عن كتب مطبوعة، فحرف فى النقل عن عمد، ونسب إلى أكثر القراء قراءة شاذة باطلة، جعلها قراءة أكثرهم. (ص ١٩ من المصدر المذكور طبعة القاهرة ١٩٤٤) وقد نقدت عمله هذا فى (مجلة المقتطف فى المجلد ١٠٥ فى عدد ديسمبر سنة ١٩٤٤ ص ٤٦١ - ٤٦٣) وقلت هناك بعد أن بينت بطلان ما نسبه لأكثر القراء: "لا تظن بعد هذا أن مؤلف الكتاب أخطأ فيما حكى، إنما الواضح الذى لا يشك فيه أنه علم الصحيح وعدل عنه ونقل غيره عارفًا أن القراء أجمعوا تقريبًا على القراءة