جميع قصائد هذه الفترة تمثل الذين يتأثرون الشعر القديم، كما يغلب عليها أثر أبى تمام والبحترى.
وبرم أبو الطيب بهذا الطور من أطوار التجربة لأنه لم يلق من يقدر مواهبه، فأخذ يتطلع إلى تحقيق أحلامه فى السيادة بالقوة (الواحدى، ص ١٣٨، الأبيات من ٣ - ٧؛ اليازجى، ص ٧٩). وعزف آخر الأمر عن ذلك المديح الذى كان يؤجر عليه، وعاد إلى اللاذقية ثم بدأ دعوة ثورية أسئ فهم كنهها مدة طويلة من الزمن، فكتاب المشرق يقولون (البديعى، الكتاب السابق، ج ١، ص ٢٥ - ٣٠؛ ابن الأنبارى: نزهة الألباء، ص ٣٦٩) إن أبا الطيب ادعى النبوة فى السماوة، وأسرته جنود الإخشيد من ثم لقب بالمتنبى. وانتصر كراتشكوفسكى Kraschkowsky فى كتابه عن المتنبى وأبى العلاء (طبعة سانت بطرسبرج عام ١٩٠٩، ص ٩ - ١١) لهذه الروايات من غير أن يلقى نظرة شاملة على الإشارات الواضحة فى ديوانه؛ ففى هذا الديوان أشعار تقطع بقيام المتنبى بهذه الثورة (الواحدى، ص ٤٩ - ٥٨ - ٨٦؛ اليازجى ص ٢٨ - ٣٣، ٥٠) إلا أنها كانت بلاشك مثل غيرها من ثورات ذلك العهد سياسية ودينية معًا، وقد بدأت فى اللاذقية ثم امتدت إلى الحدود الغربية للسماوة حيث يسكن بنو كلب المتأهبون دائما للتمرد. وقد استغل أبو الطيب مبادئ القرامطة دون أن يؤمن بمذهبهم، ولم تجد هذه المبادئ أذنًا صاغية كل الإصغاء إلا بين أولئك البدو الرحل (الواحدى. ص ٥٧، البيتين ٢٢ - ٢٣؛ اليازجى، ص ٣٢، وبهذا الكتاب إشارة إلى مذبحة الحُجّاج الذين قتلهم أبو طاهر القرمطى عام ٣١٧ هـ ٩٣٠ م)، وربما سببت أقوال الثائر الغامضة ومبادئه التى تقوم على انتهاز الفرص وتصوره للإمامة على الأسس القرمطية بعض الالتباس فى فهم دعوته، ذلك لأن كل ثائر فى ذلك الوقت كان يعتبر قرمطيًا، وهزم المتنبى والبدو الذين كانوا معه بعد أن نجح بعض النجاح فى أول الأمر، ثم أسر وحبس فى حمص حوالى نهاية عام ٣٢٢ هـ (٩٢٣ م). وبعد أن حوكم وسجن سنتين (انظر ديوانه. مخطوط بباريس، رقم ٣٠٩٢، ورقة ١٦ أ) أطلق سراحه